عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات

لم يكن يروقنى أسلوب الشيخ عبدالحميد كشك «1933-1996م» كثيرًا، وقد أشرت قبلًا إلى أنه ربما كان من الدعاة الذين يمكن أن يستميلون العامة من الناس. ولو استعرنا تعبير الزمن الحديث فى وصف ما كان عليه حاله لأمكن لنا القول إنه كان من الدعاة الجدد، والذين وجدت امتدادات لهم فى أيامنا تلك من خلال أمثال عمرو خالد والداعية زوج الفنانة شيرى عادل.. المهم فى هذا السياق أشير إلى أنه كان من بين العبارات المأثورة للشيخ والتى ترن فى أذنى تلك التى يدعو فيها شهود صلاة الجمعة إلى التماس اللجوء إلى الله فى الملمات. كان يقول بأسلوبه الخطابى البليغ والذى تشعر وكأنه مصحوب بالموسيقى: إذا ضاقت عليك الدنيا فقل يا الله.. إذا سألت فأسأل الله.. إذا استعنت فاستعن بالله. إن ذلك يأتى تصديقًا لقوله تعالى فى محكم كتابه: «أمن يجيب المضطر إذا دعاه».

إن اللجوء إلى الله فى الفكر الدينى سواء الإسلامى أم غيره- المسيحى أو حتى اليهودى- هذه الحالة قدرته على مواجهة الواقع الذى يصادفه ويجد فيه ما يعجز، إن نفسيًا أو ماديًا، عن مواجهته. ومن تلك الأحوال الحالة التى تسود فيها الفتن والاضطرابات فى المجتمع والتى قد ينتهى بعضها بسقوط المجتمع ذاته وانهياره دون حول أو طول للفرد، كما فى سقوط الأندلس فى تاريخنا الإسلامى الوسيط أو سقوط فلسطين فى تاريخنا المعاصر.

ورغم ضرورة الحذر فى التعاطى مع الرؤية التى يحاول البعض تسويقها، بأننا يمكن أن نجد كل ما يواجهنا فى حياتنا فى كتاب الله وسنة رسوله على نحو يمكن معه القول إنهما- الكتاب والسنة- مرآة لحياتنا على امتداد الدهر، إلا أن الأمر يبقى قائمًا ولو على المستوى الرمزى فى بعض الحالات. وعلى هذا الأساس يمكن تخيل الحالة المجتمعية التى يصورها مثلًا الحديث النبوى المشهور الذى يقول فيه النبى صلى الله عليه وسلم: «ستكون فتن كقطع الليل المظلم, يصبح الرجل فيها مؤمنًا ويمسى كافرًا, ويمسى مؤمنًا ويصبح كافرًا, القاعد فيها خير من القائم, والقائم فيها خير من الماشي, والماشى فيها خير من الساعى..» إلى آخر الحديث.

إن أى محاولة لتجسيد الحديث ترسم لنا حالة من الفوضى أشبه بزلزال هز أركان المجتمع بأكمله، ومن هنا يشير البعض إلى أن الحديث يعبر عن حالة هى من أشراط الساعة. الغوص فى الصورة التى يرسمها الحديث ومحاولة تخيلها ربما يجعلك ترى أناسًا يهرولون هنا وهناك على غير هدى.. إنها حالة من عدم اليقين فيما يجرى وفى نتائج ما سيجرى، نتيجتها الوحيدة ذلك التخبط الذى يتحول معه المؤمن، وفق الحديث النبوى، فى المساء إلى كافر فى الصباح، والعكس!

فى الرؤى الكلاسيكية للفقه كان الاجتهاد أن تلك الحالة لا عاصم منها إلا الإيمان بالله واليوم الآخر, ولزوم جماعة المسلمين. غير أن التاريخ ينبئنا بأن الأمور لم تسر على هذا النحو تمامًا، حيث إن البعض رأى فى زمن ما أن الخيار الأفضل ربما يكون اعتزال المجتمع ككل بما فيه جماعة المسلمين وعلى رأس هؤلاء واصل بن عطاء «80- 131 هـ»، الذى تنسب إليه فرقة المعتزلة، فقد آثر الرجل إثر خلاف بينه وبين الحسن البصرى فى حكم مرتكب الكبيرة أن يعتزل حلقة الحسن، فكانت العبارة الشهيرة لهذا الأخير «اعتزلنا واصل».

صحيح أن هذا المثل أدى لنتائج ربما تجاوزت الموقف البسيط لصاحبها، وربما على غير ما يقصد، ومن ذلك إنها أسفرت عن إنشاء فرقة- هى المعتزلة- يرى البعض أن ازدهارها كان يمكن أن يغير مسيرة التاريخ الإسلامى.. للأفضل بالطبع، وصحيح أن أنصار الفرقة لم يلتزموا بمبدأ مؤسسها وهو الاعتزال وانغمسوا فى قضايا المجتمع والاشتباك معها على غير مسمى فرقتهم، خاصة فى عهد الخليفة المأمون «170 – 218 هـ»، إلا أن مبدأ واصل ظل مزدهرًا فى أوقات مختلفة فى تاريخنا القديم والمعاصر وصولًا إلى واقعنا الراهن.

وما أصحاب «حزب الكنبة» الذين يمثلون أحفادًا حقيقيين لـ«واصل» سوى تجسيد حى لهذا المبدأ. صحيح أن اللعنات تنصب عليهم ليل نهار من ذات اليمين وذات الشمال، فى ضوء الصراع عليهم، لأن موقفهم يمكن أن يرجح كفة فريق على آخر، إلا أن إيمان هؤلاء بمبدأ جدهم الأكبر يجعلهم لا يتزحزحون عن موقفهم قيد أنملة. ربما يجد هؤلاء فيما يشير إليه منطوق الحديث.. «القاعد خير من القائم».. الأساس الدينى الذى يستندون إليه، ربما يرون أن موقفهم ينجيهم من التهلكة ويحقق لهم السلامة. قد ترى أنت أنهم فى موقفهم ذاك ربما لا ينطلقون من وعى حقيقى بقضايا مجتمعهم، غير أن ذلك فى منظورهم أفضل بكثير من الخوض فى الفتن التى هى بالتعبير البليغ للنبى صلى الله عليه وسلم أشبه بـ «قطع الليل المظلم».. اللهم جنبنا شرورها!

 

‏ «[email protected]