عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

لعل وعسى

ما من شك أن مدة الطفولة البشرية الأطول بين المخلوقات التى تعيش على الأرض لها دور كبير فى اختصاص وتكليف الإنسان ببناء الحضارات التى تقوم على ملكة الإبداع والابتكار طول مدة الطفولة البشرية التى تزيد على 15 سنة بمقارنة بالعديد من مخلوقات الله التى تتراوح بين ساعات قليلة وأسابيع.

والسؤال الذي يتبادر للذهن: ما هو المغزى الحقيقى وراء طول مدة الطفولة البشرية؟ وهل لها انعكاس على عملية التنمية المستدامة؟ حقيقة الأمر أن طول مدة الطفولة البشرية يراد به الوصول بالإنسان إلى بلوغ أشد قوته والثبات عليها سنوات عديدة حتى يستطيع بناء الحضارة وأن يعمر الأرض وأن ينشر الإصلاح فيها، لكن تواجه مرحلة الطفولة هذه معضلة كبيرة تنتشر فى دول العالم الثالث الغنية وهى سوء التغذية فى الطفولة والذى له عواقب وخيمة على مستقبلهم ولا يمكن تداركه فى المراحل العمرية المتقدمة. فالأطفال الذين يعانون من سوء التغذية يكونون أقل حيوية وأكثر عرضة للأمراض والوفيات مقارنة بالأطفال الأصحاء. الأدهى من ذلك أن سوء التغذية فى الطفولة يؤثر بشكل كبير على القدرات الذهنية والاستيعابية للطفل وأدائه الدراسى، وهو ما يجب أن نتداركه ونحن على أعتاب سنة دراسية جديدة، وهو ما يؤثر على فرص حصوله على العمل فى المستقبل. وما يدعو للحزن أن معدلات سوء التغذية بين الأطفال فى مصر وبالتحديد معدلات التقزم «قصر القامة» بين الأطفال ليست بالقليل، بل على العكس تعتبر من أعلى المعدلات فى المنطقة العربية وليس هذا فحسب، بل إن تلك المعدلات المرتفعة ليست بالظاهرة الجديدة فى مصر، فارتفاع سوء التغذية عند الأطفال كان واضحًا بشكل كبير مع كل مسح من المسوح الصحى الديموغرافى والذى يتم تحت رعاية وزارة الصحة، فلم تنخفض نسبة التقزم بين الأطفال دون سن الخامسة فى مصر عن 22 % فى الفترة بين 1992و 2014 مما يعنى أن واحدًا من كل خمسة من الخريجين الجدد لسوق العمل فى هذه الفترة يعانى من آثار سوء التغذية فى الطفولة، بالطبع سيؤثر ذلك على عملية التنمية المستدامة.

 يبدو أن التعويل وحده على النمو الاقتصادى لخفض معدلات سوء التغذية ليس كافيًا دون تدخل من الدولة فى استثمار العائد من النمو فى برامج لمحاربة سوء التغذية بين الأطفال، فعلى الرغم من النمو فى متوسط دخل الفرد فى مصر فى الفترة بين 1992و2018 من 900 دولار لنحو1900 دولار ظلت مستويات سوء التغذية مرتفعة، وهو ما يؤكد وجهه النظر أن هناك أيادى خفية تحرك ذلك وترغب فى هذا التوجه الذى يخدم أطماعها.

ولكن على الرغم من التقدم في إتاحة الحصول على الخدمات الصحية والتعليم قبل المدرسة، مازال العديد من أطفال مصر محرومين من الحصول على إمكانيات النمو الصحي الكامل. أولًا، مازالت شبكة مؤسسات التعليم قبل المدرسة ضئيلة، خاصة في المناطق الريفية، حيث تشتد الحاجة لها أكثر. ثانيًا، تتباين بدرجة هائلة جودة التعليم في مرحلة ما قبل المدرسة، فضلًا عن أن نقص الآلية الفعالة لضمان الجودة على هذا المستوى يعوق أي تحسينات جوهرية في مستوى الجودة والاتساق.

كما تأكد في مذكرة البنك الدولي الاقتصادية عن مصر، فإن دعم تنمية الطفولة المبكرة يعد استثمارًا أساسيًا لتحقيق نتائج أفضل في التنمية البشرية. تنمية الطفولة المبكرة لا يؤثر فقط على التطور الشخصي والاجتماعي والمهني للفرد، بل أيضًا يقرر آفاق النمو للبلد كله. تنمية الطفولة المبكرة يعتمد على وجود استراتيجية متكاملة متعددة القطاعات وشاملة لتنميتها حتى يمكن تطبيقها بطريقة منسقة وفعالة في مجالات الصحة والتعليم والتغذية والحماية الاجتماعية. وعلاوة على ذلك، فإن التركيز على جودة تنمية الطفولة المبكرة أكثر من مجرد زيادة الالتحاق بالهياكل التعليمية هو عنصر مهم في توفير المناخ التعليمي والإنمائي المساعد في دعم التنمية الشاملة للأطفال، لاسيما أولئك المعرضون لخطر الإقصاء الاجتماعي. ستجني مصر عائدات اقتصادية وبشرية طويلة الأمد من خلال وضع معايير جيدة لرعاية الطفولة المبكرة والتعليم، وهو ما سيحتاج إلى صياغة ومتابعة وتنفيذ في جميع أنحاء البلاد. في النهاية، فإن زيادة الوعي عنصر مهم لتحقيق نتائج ناجحة في تنمية الطفولة المبكرة: توعية الوالدين ومشاركتهما في تحفيز أطفالهم والتفاعل معهم، ومراقبة مهاراتهم الإدراكية بعناية من المولد وحتى عمر الخامسة هي جزء لا يتجزأ من برامج تنمية الطفولة المبكرة.

الحاجة إلى استثمارات أكبر في تنمية الطفولة المبكرة لا يحتاج إلى تفكير لبناء رأس المال البشري الذي يمكن أن يخدم الأهداف الإنمائية للبلد، وأن يسهم في زيادة الإنتاجية وتحسين الظروف المعيشية للناس.

التعليم، الذي هو ركيزة أساسية لتنمية الطفولة المبكرة، هو أداة أكيدة وراسخة للتنمية البشرية والحد من التفاوت على المدى الطويل، لعل ذلك يكون سببًا فى تحقيق الأهداف الإنمائية.

رئيس المنتدى الإستراتيجي للتنمية