عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

خارج السطر

علم التاريخ من العلوم الديناميكية، لا ثبات ولا تكلس، لا قوانين نهائية ولا مسلمات قاطعة.عجلة الفكر تُعيد تلوين الشخوص، والأحداث، وتقلب التصورات، وتُغيّر الأوضاع.

البطل فى التاريخ قد لا يكون بطلا دائما، وكذلك الخائن. المواقع قد تتبدل بتجدد الطرح وتثوير التفكير. وهذا ما سعى الباحث الدؤوب المجتهد الدكتور خالد فهمى إلى إثباته فى قراءته المغايرة لتاريخ محمد على باشا والى مصر (1805ــ1848).

إن كافة القراءات الحديثة للتاريخ تُرسخ مقولة لم تثبت صحتها مفادها أن محمد على هو باعث النهضة المصرية الحديثة، وهى مقولة تكررت دون بحث عميق أو أدلة تُبرهن على النتيجة التى انتهت إليها.

 لو كان الرجل الذى حكم مصر أطول فترة فى تاريخها (43 عاماً) هو الذى بعث النهضة، فإن ذلك يعنى أنه تركها وهى متقدمة اقتصادياً، واجتماعياً، وعلمياً. كما يعنى أنه تولى الحكم وهى مُنسحقة تماماً فى كافة المجالات الإنسانية.

بقراءة بسيطة يقدمها خالد فهمى فى كتابه القيم «كل رجال الباشا»، فإن محمد على لا يستحق لقب «باعث النهضة» لأن الإنسان - محور الكون - لم تتحسن أحواله المعيشية، لم يفلت من الجوع والأمراض والذل والكرباج، لم يأكل من خيرات بلاده، لم يجنِ ثمار شىء، ولم يتحول الناس إلى مخترعين، ومبتكرين، ومبدعين.

صحيح أن محمد على انتصر عسكرياً فى البداية، وصحيح أن جيشه دخل السودان، الحجاز، الشام، وأطراف الأناضول، لكن كل ذلك كان مجداً شخصياً لمحمد على وأسرته. بمعنى أن الانتصارات العسكرية لم تعد على المصريين بأى شىء. على العكس، فإن المصريين عانوا العذابات بسبب التجنيد الإجبارى، السخرة، والموت فى ميادين لم يختاروها. لقد تمددت معاناة الفلاحين فى ربوع البلاد، وصارت أحواله أكثر شقاء، وفتكت به الأمراض والأوبئة وأحاط به سياج الخرافات. وتثبت بحوث اجتماعية عديدة أن الناس كانوا أكثر معاناة خلال عهد محمد على من أيام المماليك.

كما أن معظم ما أشيع عن نهضة محمد على العظيمة جاءت كدعاية مدفوعة نجح الباشا الكبير فى رسمها لعقود طويلة من خلال استضافته للرحالة والكتاب الأوروبيين فى قصره ليكتبوا عن عظمة البلاد التى كان يقول إنه تسلمها «بربرية» وإنهم لو رأوها قبل 1805 لأنكروا تخلف وانحطاط أهلها. لكن من حُسن حظ مُحللى التاريخ أن هناك رحالة كُثرًا زاروا مصر قبل تولى محمد على، وتحدثوا عن أناس طيبين، حكماء، يعرفون حقوقهم لدرجة أنهم يحاصرون الولاة ويلزمونهم بوقف العسف والجور، ويتقنون التجارة ويصلون بسلعهم وبضائعهم إلى أوروبا، ويخرج من بين أضلعهم مصريون عظماء مثل عمر مكرم، حسن طوبار، وعبدالرحمن الجبرتى.

بالطبع قضى محمد على، على روح مصر الخلاقة، وغرس بذور الاستعباد فى قلوب الناس، بعد أن نفى عمر مكرم ، ثُم ذبح أكثر من ألف شخص من المماليك فى مارس 1811. وعندما مات الرجل فى أغسطس 1849 بالإسكندرية لم تكن مصر دولة عظيمة تُجابه فرنسا أو إنجلترا فى العمران والحضارة، ما دفع حفيده الخديو إسماعيل فيما بعد أن يقول للأوروبيين إنه باعث نهضة مصر، وإنه عندما تولى الحكم كانت البلاد بربرية. لا الباشا الكبير صدق ولا حفيده. ولا عبرة لنهضة مزعومة ما لم يتطور الإنسان وتتغير أحواله، والله أعلم.

[email protected]