عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

لست بصدد حديث رياضى ولكنى أستسمح القارئ العزيز فى دعوته لفنجان من القهوة بالكافيه الكائن على ناصية أفكارى التى أقبض عليها أحيانا، وأحيانا أخرى تعاندنى وتتهرب من فضولى كتهرب فتاة جميلة من فضول عجوز توهم أن الحكمة تغنى عن الشباب.. لو أن ملايين المصريين وأنا منهم نجرى وراء مباريات ليفربول استمتاعا بموهبة الفرعون الصغير محمد صلاح – فقد كان منطقيا أن نتابع كل الدوريات فى أوروبا وأمريكا اللاتينية، والتى بها عدد هائل من كبار النجوم الموهوبين جدا من أيام بيليه ومارادونا ومولر وصولا الى  ليونيل ميسى ورونالدو وصلاح.. كل هذا لم يحدث قبل سطوع نجم صلاح فى الدورى الانجليزى عبر بوابة ليفربول.. أعتقد أن ملايين المصريين المتعلقين بنجاح وتفوق محمد صلاح – وأنا منهم وان أنكرت – يسيطر علينا من سنوات شعور بالاحباط الجمعى فى  ميادين السياسة والاقتصاد والفنون والآداب وغيرها من الميادين التى تشكل بحالتها سمات ووزن وقيمة أى كيان قانونى اسمه « دوله ».. محمد صلاح يعوضنا – افتراضيا – عن احباطاتنا وفشلنا وشعورنا بالعجز ولو للحظات.. نصرخ من الفرح عندما يسجل هدفا جميلا، وفى هذه اللحظة تحديدا يشعر كل محبط أنه هزم احباطه وانتصر عليه.

أنه قام بغزوة  تاريخية لبلدان غزتنا عشرات المرات.. لحظة نادرة قد لاتتعدى ثانية أو اثنتين يتكثف معهما شعور نادر بالفخر الذى لاصلة له بالسبب الظاهر وهو الهدف الذى أحرزه صلاح.. الفخر فى هذه اللحظة المتكررة مع كل مباراة يتألق بها صلاح ويسجل هو تعويض ذاتى جدا عن تاريخ من الجمود وفقر الحال.. صحيح أنا وغيرى نصفق لصلاح ونطرب لأهدافه ولكننا جميعا نرى فيه بطلا أكثر منه لاعبا.. نعشق فيه مثالا لكل شيء جميل اختفى من حياتنا.. صلاح تجاوز مهارته كلاعب وبدون قصد منه استطاع أن يعقد صلحا بين كل المصريين المتخاصمين مع بعضهم البعض أفرادا وجماعات وأحزابا ومصالح وأهواء.. لقد وحدهم جميعا على هدف واحد فيما فشل فى ذلك عتاة رجال الدين والسياسة ، واستطاع أن يجعل الملايين من عشاقه  أكثر دقة من ساعة لندن حين ينتظرونه معا فى لحظة محددة  وينصرفون بذات الدقة فى لحظة أخرى.

أتصور أن غالبية المصريين متعطشون الى أكثر من صلاح فى السياسة والاعلام والاقتصاد والصناعة والفن والأدب والأخلاق.. لو كنت مكان المسئولين الكبار فى أى موقع لطلبت أن يتم دراسة ظاهرة محمد صلاح سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ونفسيا.. أن يجتهد باحثون ومتخصصون فى الاجابة عن أسئلة محددة – كيف يفشل أكثر من مائة حزب فى مصر فى أن يلتف حولهم جميعا عشر جمهور محمد صلاح ؟ لماذا تمتلئ المقاهى بالجماهير المشجعة لليفربول محمد صلاح وتبدو خاوية أثناء مباريات الدورى المصرى ؟ هل المصريون مفتونون بصلاح كلاعب ونجم عالمى ساطع أم أن كل مصرى يرى فى صلاح ابن قرية « نجريج » غربية شقيقا له وصديقا وابنا وجارا وجنديا مجندا أمينا حارسا لوطنه ومدرسا خلوقا لأبنائه وعريسا طيبا لابنته ؟ كيف تحول اعجاب المصريين بصلاح اللاعب من دائرة المشاعر الكروية والرياضية الى ساحات المشاعر الوطنية ؟ هل أصبح صلاح مخدرا جميلا يخفف عنا آلام عجزنا والتهاب مفاصل العمر عندما تفقد الأيام معناها وجدواها ؟.

محمد صلاح هو أم كلثوم تغنى وتسرق أعمارنا حبا وشوقا وحنينا ، هو ولد من أولاد حارات نجيب محفوظ أم حرفوش من حرافيشه، هو قصة قصيرة ليوسف ادريس ولكنها ضمدت جروح سنوات طويله لعبت بنا خلالها  آمال تكسرت فى الدقائق الأولى من مباراة الزمن..  قصة قد تكون قصيرة قياسا بزمن أحداثها ولكنها كشفت عن روايات كل أبطالها يخشون أن ينتهى الوقت الاصلى وهم عالقون بين الأمل والرجاء.