عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تساءلنا فى مقالنا السابق عن كيفية التخلص من ظاهرة تناقض الأقوال مع الأفعال، ظاهرة الكلام الكبير الذي لا يقابله واقع ولا تصدقه الأفعال التي نقوم بها!!

إن التخلص من هذه الظاهرة وعلاجها ببساطة يتلخص فى ضرورة أن نزن الكلام بميزان الأفعال، وألا نستخدم إلا ألفاظاً تطابق وقائع، وألا نصف إلا ما هو موجود، وكل ذلك لن يتأتى ولن يمتلكه الإنسان المصرى خاصة والعربى عامة إلا إذا تخللت حياته الثقافة العلمية، لأن هذه الثقافة العلمية التى تحدثنا عن ضرورة استيفائها وتنميتها فى البيئة الاجتماعية المصرية وكذلك العربية، هى التى ستنقلها بالضرورة على حد تعبير أستاذنا د. زكى نجيب محمود «من حضارة اللفظ إلى حضارة الأداء».

وإذا كان عماد هذه الثقافة العلمية هو البحث العلمى منهجاً ونتائج، فإن هذا البحث العلمى واتباع خطواته وتمثل أسسه وآلياته هو ما سنخرج بواسطته «من دنيا اللغة إلى دنيا الأشياء»، وهذا الخروج يتطلب بالطبع أن ننظر إلى واقع البحث العلمي في بلادنا، ذلك الواقع الذي يكشف عن مشكلات عديدة أبرزها غياب البيئة الفكرية العلمية لغياب الثقافة العلمية بين أبنائنا.

وبالطبع فإن هذا يقودنا إلى قضية قلة الإنفاق على البحث العلمى، ذلك الإنفاق الذى لا يتعدى لدى الحكومات العربية 0.3% بالمائة، وهذه نسبة مزرية ومتدنية إلى الحد الذى يجعل من باحثينا العلميين يهربون من المعاهد العلمية والبحثية العربية إلى دول العالم المتقدمة، وهو نفسه الذى يجعل من يبقى منهم هنا يكتفى بتكرار واجترار أبحاث علمية سابقة مكتفياً بثقافة التكرار والاجترار غير قادر على خوض غمار الإبداع العلمى الذى سيجعله حتماً يلتزم باللغة الكمية – الأدائية أى التى تؤدى أو تشير إلى وقائع محددة وتستخدم القياس الكمى الذى هو قمة اللغة العلمية المطلوبة، تلك اللغة الموضوعية التى لابد أن نكتسبها ونجعلها هى «اللغة» العلمية بألف ولام التعريف، وأن نستخدمها فى كل مجالات البحث والحياة العملية، وإذا ما تم ذلك بين النخبة «الباحثة» و«العالمة» و«المثقفة» علمياً ستنتشر عبرهم بين مواطنيهم ويتحولون شيئاً فشيئاً من مستخدمين للغة خطابية وصفية بوهيمية غامضة ملتبسة لا يصدقها واقع، إلى مستخدمين للغة علمية مؤدية إلى وقائع مادية، ومعبرة عن حقائق محسوسة ملموسة.

إن من شأن سيادة هذا النمط اللغوى الأدائى ليس فقط العلاج من الانفصام السائد لدينا بين الأقوال والأفعال، وإنما من شأنه أيضاً أن يعالج لدينا أوجه نقص أخرى انتشرت فى المجتمع وسببت الخلافات والمشاحنات بين أفراده مثل خلط المفاهيم وعدم وضوحها فى أذهان مستخدميها، ذلك الخلط الذى جعلنا نخلط الدين بالسياسة فنتصور أن حل مشكلاتنا سيكون بالتدين قائلين بكل بساطة «الإسلام هو الحل»!

والحقيقة هى أن الإسلام دين عظيم قد يكون به حلول لمشكلات عديدة لكن هذه الحلول يقدمها الناس حسب ما يعيشونه وحسب ما يطرحه عليهم عصرهم من قضايا سياسية واقتصادية تتجدد دائماً وتتطلب الاجتهاد والتطور من علماء السياسة المتخصصين فيها، وهو ذات الخلط الذى جعلنا نتحدث عن القرآن وكأنه كتاب « علم «، والحقيقة أنه إذا كانت بعض الآيات القرآنية تلقى أضواء أو تلمح إلى بعض الحقائق العلمية، فإن تفسير القرآن وآياته على ضوء هذه النظريات العلمية مسألة فى غاية الخطورة، فالنظريات العلمية ليست حقائق ثابتة، بل هى قابلة للتغيير والتطوير والتعديل حسب التطورات العلمية وتجدد آليات البحث العلمى ومن ثم فالربط بين فهم الآيات الكريمة وبين مثل هذه النظريات القابلة للكسر والتعديل يعنى ربط المطلق (القرآن) بالنسبى (العلم). وهذا فيه ما فيه من الخطر على الدعوة الإسلامية والفهم الحقيقى لآيات القرآن الكريم.

وإذا كانت هذه مجرد أمثلة على أنماط الخلط والغموض فى المفاهيم اللغوية الشائعة، فإن مثيلاتها فى حياتنا العلمية والعملية يفوق الحصر. ولذا وجب التحول إلى اللغة العلمية الدقيقة التى لا يتناقض فيها اللفظ مع الشيء، بل دائماً ما يستخدم اللفظ أى لفظ دالاً على شىء ما قابل للقياس والفهم الواضح.