رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

هموم وطن

 

شهر الخريف هو الشهر المحبب الى قلبى منذ نعومة أظافرى، وكنت أعشق أيامه خصوصا عندما تقصر ساعات النهار وتطول ساعات الليل، وأستمتع بنسيم الخريف الذى أعتبره أفضل من نسيم الربيع وأزهاره، ولا أنسى الاستعداد للعام الدراسى على طريقتنا لا على طريقة أبنائنا من هذا الجيل، فكانت مطالبنا كأحلامنا تتسم بالبساطة والجمال، فكنا نشترى أحذية باتا أو زلط وهما ماركتان من الزمن الجميل، وكان والدى رحمه الله ينصحنى بتفصيل البنطلونات بعد رحلة شاقة من اختيار القماش والذهاب للترزى وكان يقول لى كده أفضل وأرخص من الجاهز، وكانت ملابس المدارس لى ولاخوتى بمثابة قطم وسط بأسعار زمان فما بالنا بأسعار هذه الأيام، وكانت هناك رهبة للتلاميذ أثناء بداية العام الدراسى وكان زملاؤنا الجدد لا يكفون عن البكاء فى الأسبوع الأول من الدراسة وكان الآباء يحملونهم بين أيديهم للمدرسة ويتم تسليمهم لمدرسى الفصول باليد وكنا نهون عليهم البكاء كما هون زملاؤنا علينا من قبل، وكان أغلبنا يحمل حقيبة قماش كانت تصنع من أكياس السكر أيام زمان وكانت المرايل جمع مريلة تصنع من قماش الكستور الذى كنا نتسلمه على بطاقة التموين مع الأرز والسكر والعدس والفول والشاى والزيت.

وكان الانضباط فى المواعيد والطابور المدرسى على يد أستاذ جمال امين رحمه الله خصوصا أثناء تحية العلم وكأننا داخل وحدة عسكرية، وكان المدرس يفنى حياته من أجل تنشئة جيل ناجح لا يعرف شيئا عن الدروس الخصوصية أو مجموعات التقوية، رغم أن المذاكرة حتى أوائل الثمانينيات كانت تتم فى اللمبة الجاز، وكنا لا نعرف شيئا سوى المذاكرة وسماع الراديو ببرامجه الممتعة وكانت سندوتشات الفول والطعمية هى الأساس فى إفطارنا وكانت الفاكهة المحببة الينا والتى تناسب مستوى جميع التلاميذ هى البلح الذى كان يتزامن جمعه ونشره فى المناشر لتحويله الى عجوة وكنا نشتريه بالشروة وهى عبارة عن مشنة أو غلق كبير وكان ثمنها لا يزيد على خمسة قروش أو شلن أو حتة بخمسة.

أحكى لكم هذا الكلام وأنا بين يدى قائمة بالملابس والأحذية والكوتشيات والحقائب الماركات والأدوات المدرسية من المكتبات الكبرى والدروس الخصوصية التى بدأت منذ شهر أغسطس بحجة حجز الأماكن وأيضا بحجة أن كل مدرس لا يقبل أحدا لديه بعد هذا الشهر وكنا أيامها لا نسمع عن التعليم الخاص وكانت لا توجد فى القرية الا مدرسة ابتدائية واحدة وكان زملاؤنا يأتون الينا من القرى المجاورة بداية من المرحلة الاعدادية سيرا على الأقدام وكانت قريتى المحظوظة بها جميع المراحل التعليمية ورغم هذه المصاعب أجلس أنا وأصدقائى الأطباء والمهندسون والقضاة والصحفيون والمحامون، نتذكر هذه الأيام ويقارن كل منا ما يفعله مع الأبناء من هذا الجيل المدلل والخاوى فكريا وعلميا رغم وجود بنوك معلومات بين يديه متنقلة فى أجهزة المحمول والتابلت ولا يستغلون منها إلا مواقع الألعاب والأفلام والأغانى الخليعة، وكل ما أخشاه أنا وأصدقائى على أبناء هذا الجيل هو عدم تحملهم المسئولية رغم أنهم من المفترض أنهم سيتصدرون المواقع الحيوية وقيادة مصر فى المرحلة الحالية والقادمة وسأكتفى بهذه المقارنات قبل أن يتهمنى الأبناء بالبخل وعدم الانفاق.