رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

خارج السطر

 

 

الفن جسر لتغيير الرؤوس. بوابة تعديل أدمغة، وقناة صب أفكار. الفن بوق ينفخ فى قصص منسية لتخلد، نقش أبدى يُسجل انتصارات وانكسارات، كتاب تاريخ غير تقليدي.

أقول هذا بعد أن شاهدت مُسلسل نتفيلكس الحديث «الجاسوس».عمل بديع يُخلد سيرة جاسوس إسرائيلى زُرع زرعا داخل سوريا بداية الستينيات. يحكى المسلسل عن إيلى كوهين، رجل متوسط الحال لا يمتلك أى إمكانات فذة سوى الملامح العربية، لأنه ولد بالإسكندرية من أب وأم سورية قبل أن يهاجر إلى أرض الميعاد. تقدم إيلى أكثر من مرة طالبا العمل فى الموساد، وتم استبعاده، ربما لأنه من اليهود العرب، لكن فى لحظة فارقة يجد الموساد ضرورة للتعمق فى الجبهة السورية التى يتعرضون منها لهجمات الفدائيين كل فترة، ويتم استعراض الملفات القديمة ليطل إيلى مرة أخرى من بينها.

يُزرع الجاسوس بطريقة مثالية، إذ يظهر أولا فى مجتمع مهجر للسوريين فى الأرجنتين باعتباره رجل أعمال ثريًا هو كامل أمين ثابت الذى هاجر والداه وماتا فى المهجر. يتعرف كامل على أمين الحافظ الملحق العسكرى السوري، ويرتبط معه بصداقة ويسافر معه سوريا، ليسانده حتى يصل إلى رئاسة الجمهورية.

تتنوع صداقات كامل ثابت فى دمشق لتصل إلى كبار القادة العسكريين، ورجال الأمن والساسة ويحصل منهم على خرائط وأسرار ومعلومات قيمة حتى يٌكشف أمره ويتم إعدامه فى ساحة المارجة بدمشق سنة 1965.

وتشير رواية صناع المسلسل إلى أن كشفه كان عن طريق الصدفة بعد التقاط أجهزة الاستشعار السورية الرسائل المذبذبة التى يبثها كل يوم، بينما تشير الرواية المصرية طبقا للكاتب محمد حسنين هيكل إلى أن المخابرات المصرية كشفته عندما رأت صوره فى أحد اللقاءات المهمة فى سوريا بجوار عسكريين إذ كان لديها ملفه منذ عاش فى مصر.

دعاية فى دعاية، لا شك فى ذلك. ربما لم يكن إيلى كوهين بتلك الجرأة والقوة والذكاء الذى حاول العمل الدرامى رسمه، ربما لم يكن الموساد بتلك المهارة والتفوق اللازم لزرع جاسوس داخل مجتمع معادٍ تحكمه الأجهزة الأمنية، وربما لا وجه للبطولة ولا العبقرية فى القصة من الأساس، لكن فى النهاية ينتصر الفن.

إن الفن فى تصورى أقوى وأبلغ وأبقى من التاريخ المكتوب، وإلا كيف صدق الناس أن أدهم الشرقاوى بطل رغم أنه فى الواقع مجرد لص وبلطجى خطير، وكيف تخيلوا أن ياسين وبهية نموذج حب وعظمة ووطنية رغم أن الحقيقة عكس ذلك!!

الفن ينتصر، وتبقى الصورة الماثلة لدى العقلية الجمعية هى التى ترسمها يد الإبداع. وأعتقد وأظن وأتصور أننا لم نبنِ بعد الجسر الحقيقى بين صفة البطولة الوطنية، وبين الفن، وأن عملًا دراميًا عظيمًا مثل رأفت الهجان كان خطوة فارقة فى الدراما الوطنية، لكن هناك خطوات أخرى ينبغى قطعها.

إن مصر غنية بأبطالها، وجواسيسها، وعملائها، وفدائييها، ورجالها السريين، الذين لا ينبغى أن يُنسوا أو يدفنوا بين أوراق الملفات للأبد.

إننا فى حاجة لتوثيق حكايات أبطال الجاسوسية المصرية سواء فى الصراع مع إسرائيل أو ضد الإرهاب.

نحتاج تثوير النفوس واستعادة وإحياء أمجاد شخوص من عينة رفعت الجمال، محمد نسيم، فتحى الديب، كيبورك يعقوبيان، عمرو طلبة، وغيرهم.

والله أعلم.

 

[email protected]