عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

خارج السطر

 

كيف نفرق بين البطل والإرهابى؟ سؤال متشابك يُلح علىّ كلما أوغلت فى تاريخ العنف السياسى فى بلادى.

هل قاتل المصرى بطل أم إرهابى؟ وهل الحاكم بخيانة مسئول أو وزير فى زمن الاحتلال يُمكن أن يُصنف كبطل؟ أليس القتل قتلا؟ وأليس إزهاق أرواح العزل جريمة؟

خذوا مثلا قاتل بطرس باشا غالى رئيس الوزراء المصرى سنة 1910، وكان صيدلانياً يُدعى إبراهيم الوردانى، وقد أطلق على الرجل الرصاص غدرا فأسقطه صريعا، ولما سئل عن دافعه قال إنه حكم بخيانة الرجل. وحكمت المحكمة بتحويل أوراقه إلى فضيلة المفتى وكان الشيخ بكرى الصدفى، فقرر رفض اعدامه تعاطفا معه لكن المحكمة أصرت على موقفها وتم إعدام الرجل.

لكن الحس الشعبى المُسير بالمشايخ الذين يحفظون ولا يتدبرون وقتها اعتبر القاتل بطلا، بل وسماه شهيدا، ووزعت صوره على المقاهى، وأطلق الناس اسمه على مواليدهم.

نفس الأمر جرى مع محمود العيسوى قاتل أحمد باشا ماهر، ومع حسين توفيق قاتل أمين باشا عثمان خلال الأربعينيات وصولا إلى أحمد عبدالمجيد قاتل محمود فهمى النقراشى باشا، والذى كتب فيه يوسف القرضاوى شعراً لتمجيده قال فيه «عبدالمجيد تحية وسلاما/ أبشر فإنك للشباب إماما/ سممت كلبا جاء كلبٌ بعده/ ولكل كلبٍ عندنا سماما».

أسماء عديدة على مدى تاريخنا حازت لقب «بطل» رغم أن أفعالها قائمة على الغدر والخسة، ربما أبرزها الجندى الشهير سليمان خاطر الذى قتل سياحاً إسرائيليين عُزلاً نصفهم من الأطفال فى سيناء خلال الثمانينات، وعندما مات محبوسا فى ظروف غامضة أطلق عليه الحس الشعبى لقب «شهيد» مثلما أطلقوا من قبل اللقب نفسه على حسن البنا، وأدهم الشرقاوى وخالد الإسلامبولى.

مَن هو الحس الشعبى؟ مَن هو الذى أطلق ولم وكيف؟ لا أحد يدرى، لكن تلك أحد مفارخ الإرهاب الدائمة: أن تُبطل القتلة، وتُعظم الغادرين. أن تمتدح أعداء الحياة وتصفق للعمليات الانتحارية ما دامت موجهة ضد من لا نحب. أن تُسمى الأشخاص بغير مسمياتهم ترويجا لشريعة الغاب.

هناك خيط رفيع بين البطل والإرهابى لكنه واضح لأولى الألباب وما أندرهم. هناك سمات مميزة لكل منهما، لكن مَن يهتم ومَن يراقب ومن يلتفت؟

البطولة نُبل. تضحية. البطولة إحياء لا إماتة. بعث للطمأنينة لا نشر للفزع. البطل يحارب دفعا لمعتد، يحمى ضعفاء، ويُنقذ أرواح، لكن الإرهاب قُبح وغدر وغيلة وشر مستطير. الخلط بينهما جريمة، لكنها للأسف تمر مرور الكرام فى ظل غوغائية التكلم، وعشوائية الفكر.

فى الستينيات مثلاً كتب الأديب إحسان عبدالقدوس رواية «فى بيتنا رجل» محتفيا بقاتل أمين عثمان، مبررا فعله، بعد أن غير اسمه من حسين توفيق إلى إبراهيم حمدى. وفيما بعد حولت الرواية إلى فيلم سينمائى، وشاهد الناس كيف صار القاتل الغادر لمصرى اختلف معه بطلاً ساحراً تحلم به الفتيات. وهكذا استقر فى أذهان الناس أن التنظيمات السرية عمل عظيم، وأن القتل السياسى مباح، وأن رصد شخصية ما حتى لو كانت كريهة وقتلها غيلة عمل بطولى.

لقد انجر كثيرون مثل إحسان عبدالقدوس خلف الحس الشعبى الغوغائى وكرروا تمجيد أشرار وقتلة وإرهابيين، فصارت داعش محط تفكير لأبناء حضارة النيل، وأصبح « التريند» الذى يلهث وراءه نجوم الأفلام التجارية، مثل محمد رمضان هو القاتل، المنتقم، الذى يأخذ حقوقه بساعده.

والله أعلم.

 

m[email protected] com