رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

فى القرن الخامس قبل الميلاد، أطلق المفكر والمؤرخ الإغريقى «هيرودوت» مقولته الشهيرة إن (مصر هبة النيل)، بمعنى لولا وجود النيل لما وجدت مصر، ويبدو أن الرجل كان متأثرا إلى حد كبير بالنهر العظيم، الذى أينعت على ضفتيه حضارة يرجع تاريخها إلى أكثر من ثمانية آلاف عام وتركت هذه الحضارة فى مصر ثلثى آثار الدنيا لتكون شاهدة على قيمة المصرى القديم.

وربما السؤال الذى يتبادر إلى الذهن: هل بناء هذه الحضارة مرتبط بجريان النيل قادما من مصر العليا جنوبا ليصب فى البحر المتوسط شمالا، بغض النظر عن مخاطر فيضه؟

يمكن القول فى البداية إن المؤرخ الحقيقى هو من يجعل التاريخ مرآة للجغرافيا والجغرافى الحقيقى هو من يجعل الجغرافيا مرآة للتاريخ وعليه أتصور أن هناك قوة محركة ساعدت على إطلاق طاقة إيجابية لقاطنى هذه البقعة من العالم، بمعنى لولا وجود المصرى القديم لما تم ترويض النيل، بعبارة أخرى إن العامل المحفز للاستفادة من النيل كان إرادة الإنسان بالدرجة الأولى وليس النهر كما ادعى «هيرودوت».

وعندما نعيد قراءة كتاب «شخصية مصر» - دراسة فى عبقرية الزمان والمكان - للمفكر الكبير د. جمال حمدان، نكتشف أنه أثبت عكس مقولة المفكر الاغريقى الذى غلَب العامل الجغرافى على أى اعتبارات أخرى، فجاء حمدان وربط استقرار المجتمع النهرى بالإدارة الرشيدة، وتحدث عن السلطة المركزية التى تتحكم فى توزيع مياه النيل لتحقيق العدل فى رى الاراضى الزراعية وهى قوة إنسانية وليست منحة وهبتها الطبيعة!

ومن هنا تبرز أهمية الإرادة الإنسانية المشار اليها، فى مسألة البناء الحضارى ليس من حيث الموجودات المادية فقط، ولكن أيضا من حيث الموروث الثقافى والفكرى، وهكذا يمكن القول، إنه يعتبر العاملان المادى والفكرى محورين مهمين فى بناء الشخصية المصرية القديمة والحديثة على حد سواء.

وتؤكد ذلك خصائص الطابع القومى المصرى على مدار قرون عديدة، التى ميزت الشخصية المصرية بأربعة ملامح أساسية نوضحها فيما يلى :

اولا: التدين صفة أصيلة فى الانسان المصرى، فهو منذ بدء الخليقة مخلوق دائم البحث عن خالقه سواء فى مرحلة ما قبل الأديان السماوية أو بعد ميلاد السيد المسيح حتى ظهور الإسلام فى القرن السادس الميلادى، ولهذا لم يكن غريبا تعانق الهلال والصليب فى مصر، خاصة فى أشد المراحل التاريخية قسوة، لاسيما فى فترة الاحتلال البريطانى فى القرنين التاسع عشر والعشرين حتى قيام ثورة تموز يوليو عام 1952، وخلال الستين عاما الماضية تعرض عنصرا العرق المصرى لتحديات جمة، اثبتا قدرتهما على التوحد تحت مظلة الوطن الواحد، وفشلت كل محاولات زرع الفتنة بين المسلمين والمسيحيين فى مصر، وكان آخرها إبان العام الذى سيطرت فيه جماعة الإخوان المسلمين على سدة الحكم فى مصر!

وفى الاسبوع القادم نتابع ثلاث خصائص أخرى للطابع القومى المصرى ربما تفسر لنا سر حضارة المصريين وعلى وجه الخصوص الطاقة المحفزة للإبداع الحضارى فى مصر سواء فى وجود النيل أو فى عدم وجوده!