رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نحو المستقبل

يعد المفكر والشاعر د. حسن طلب -المولود بسوهاج فى صعيد مصر 1944م- واحداً من سدنة مزج الفلسفة بالشعر عبر التاريخ؛ إذ يمكن أن تقارنه ما شئت بإخناتون ملك مصر الفيلسوف الذى عبر عن رؤيته الدينية والفلسفية فى القصيدة الشمسية الشهيرة أو «باكسينوفان» ذلك الشاعر اليونانى الجوال الذى قضى ستين عاما يعبر بالشعر عن رؤاه الفلسفية والدينية فى حقيقة الوجود وجوهره الواحدى أو بتلميذه بارمنيدس صاحب أشهر قصيدة يونانية عبرت عن حقيقة الوجود الواحد ولا ماديته وهى تلك القصيدة التى انبعثت منها فلسفة أفلاطون المثالية كما استندت عليها فلسفة أرسطو الميتافيزيقية.

والناظر لوجه حسن طلب يجد نفسه أمام ملامحه المصرية الأصيلة الآتية من أعماق التاريخ الأسطورى لمصر القديمة بابتسامته الودودة واطلالته المتفائلة رغم كل ما يحمله صدره من آلام وشجون وما يعبر عنه فى شعره من هموم ثقال يعانى منها على المستويين الشخصى والقومى ورغم وعورة طريق الكشف عن حقيقة الوجود الذى يلهث وراءها دون جدوى حائرا بين «المقدس والجميل»، بين «أزل النار فى أبد النور» و«زمان الزبرجد»، بين «آية جيم» وبستان السنابل، بين «فكرة القيمة» وباب الصبابات! إنه الباحث عن «حجر الفلاسفة» شعرا ونثرا فى زمن تهاجم فيه الفلسفة وتنتصر فيه الرواية على الشعر!

وبعيدا عن هذا الجانب شديد الثراء لدى حسن طلب اخترت أن أكتب عن جانب تخصصى أكاديمى لديه لا يلتفت إليه إلا عشاق الفلسفة ومصر القديمة وهو دراسته الممتعة فى أطروحته للماجستير عن أصل الفلسفة والتى نشرت فى كتاب يحمل نفس الاسم؛ فهذه الدراسة الرائدة فى ميدانها باللغة العربية حيث كتبت فى أوائل الثمانينيات وقبل ظهور وترجمة كتب غربية مهمة فى هذا المجال مثل «أثينا السوداء» لمارتن برنال و«التراث المسروق» لجورج جيمس، تكشف بالكثير من الأدلة والبراهين تهافت نظرية المعجزة اليونانية فى نشأة الفلسفة وتؤكد فى ذات الوقت على أن النشأة الأولى للفلسفة كانت فى مصر القديمة؛ وقد نجح حسن طلب فى الرد على كل الدعاوى والحجج التى عادة ما يروج بها أنصار نظرية المعجزة لأطروحتهم العنصرية وخاصة الادعاء بأن الفكر المصرى كان فكرا عمليا خالصا بينما الفكر الفلسفى اليونانى كان فكرا نظريا! والحقيقة أن الفلسفة المصرية القديمة كانت كالفلسفة اليونانية بها النزعتان العملية والنظرية فلا نظر بلا عمل ولا عمل بلا نظر ولا يصح التقليل من شأن العمل بالقول إن النزعة العملية أدنى مرتبة من النزعة التأملية النظرية، فالإنسان فى حاجة إلى نتائج النزعتين معا وإلا ماكان اهتمام فلاسفة اليونان الكبار أفلاطون وأرسطو بمناقشة الفلسفة العملية للسوفسطائيين!

وبعد أن فند حسن طلب بقية حجج القائلين بالمعجزة اليونانية أجاب على سؤال نشأة الفلسفة فى مصر وانتقالها إلى اليونان من خلال «نظرية الانتشار»، تلك النظرية التى تقول ببساطة أنه لا معجزة هناك وكل ما فى الأمر أن هناك حضارة قديمة أصيلة ومركزية هى الحضارة المصرية نشأت فيها كل العناصر الأساسية للحضارة الإنسانية بما فى ذلك الجوانب الفكرية ثم انتقلت وانتشرت كل هذه العناصر بطريقة أو بأخرى إلى المجتمعات الأخرى.

وقد تحدث مؤلفنا بالتفصيل عن انتقال وانتشار الفكر المصرى فى بلاد اليونان عبر معابر مختلفة منها المباشر ومنها غير المباشر عبر حضارات كريت وآسيا الصغرى فى بلاد اليونان نفسها وهى التى تأثرت فى نشأتها وتطورها بمصر القديمة. وقد كشفت الدراسة بعد ذلك بشىء من التفصيل عن الأصول المصرية للقيم اليونانية سواء القيم الدينية أو الأخلاقية أو الفنية واعتبر صاحبها أن تلك القيم اليونانية ماهى إلا مجرد فروع ونتائج لما نقله اليونانيون عن الحضارة المصرية القديمة بشهادة مؤرخيهم وفلاسفتهم.

وقد أنهى حسن طلب دراسته العميقة بالقول «إن الأفكار الفلسفية التى تضمنتها النصوص المصرية القديمة جديرة بأن تمثل الخطوات الأولى التى بدأ بها تاريخ الفلسفة، والذين يمارون فى أولوية الحضارة المصرية لحساب الحضارات الأخرى المجاورة ليسوا بأقوى حجة ممن يثبتون الأولوية لمصر عن طريق قرائن تاريخية وأثرية على نحو ما نجد فى نظرية الانتشارية المصرية التى أسسها ودافع عنها كل من إليوت سميث ووليام برى وريفرز».

والحقيقة أننى وافقت حسن طلب على هذا الرأى قبل أن أقرأ دراسته مؤخرا؛ حيث كتبت أول أبحاثى العلمية بعد نيل درجة الدكتوراه فى منتصف الثمانينيات تحت عنوان «خرافة المعجزة اليونانية» ونشرت فى المجلة العلمية لكلية الآداب بعنوان مخفف هو «المعجزة اليونانية بين الحقيقة والخيال» وتتابعت دراساتى فى ذات الميدان بعد ذلك فى كتب عديدة بدأت بكتاب «نحو تأريخ جديد للفلسفة القديمة» وانتهت بالتأريخ الشامل للفلسفة اليونانية من منظور شرقى فى أربعة أجزاء وبينهما كانت مؤلفاتى «الفكر الفلسفى فى مصر القديمة» و«الخطاب الفلسفى فى مصر القديمة» وقد كشفت فى الأول بالأدلة الدامغة واستنادا على الدراسات الأثارية واللغوية وعلى نصوص فلاسفة اليونان أنفسهم عن أن الفلسفة لفظا واصطلاحا نشأت فى مصر القديمة وأرخت لجوانبها المتعددة بدءا من نظريات فلاسفة مصر القديمة عن أصل الوجود وانتهاء بفلسفاتهم الأخلاقية والاجتماعية.

كما كشفت فى الثانى عن أن الفلسفة المصرية القديمة لم تكن خلوا من الفكر السياسى بل كان ثمة وعيا سياسيا راقيا استند على مفهوم مصرى خالص هو الماعت «أى العدالة والنظام» وبدا هذا الوعى السياسى واضحا جليا فى النصوص المصرية القديمة من خطاب الشعب إلى خطاب الملوك والحكام مرورا بخطاب الفلاسفة والحكماء.

ولعل فى ذلك ما يثلج صدر حسن طلب صاحب الدراسة الرائدة فى الأصل المصرى للفلسفة ويؤكد له أن ثمة مدرسة مصرية جديدة واعدة قد تأسست للتأريخ للفلسفة من منظور مصرى شرقى.

 [email protected] com