رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات

 

 

منذ نحو عشرين عامًا تقريبًا قمت بمبادرة شخصية منى بترجمة كتاب لقيت مادته إعجابا من جانبى، وقمت بعد ذلك بإرسال الترجمة إلى مؤسسة عربية كبرى مقترحًا قيامها بنشرها. وبعد أن كنت نسيت الموضوع فوجئت بعد نحو شهرين بخطاب على عنوان عملى فى البلد العربى الذى كنت أقيم فيه من تلك المؤسسة يفيد الاعتذار عن نشر ترجمة الكتاب لأن مضمونه به بعض الرؤى الدينية التى تتعارض مع توجهات المؤسسة. ورغم ضيقى من أن الكتاب لم يلق القبول إلا أن ما أسعدنى هو اهتمام تلك المؤسسة وتعاملها الحضارى مع الأمر، وأن تكلف نفسها كتابة خطاب وإرساله بالبريد الدولى لشخص لا تعرفه لمجرد الاعتذار. صحيح أن الكتاب نشرته دار سورية فيما بعد وتم إصداره فى مصر إلا أنه ليست هذه هى القضية.

قفزت هذه الواقعة إلى ذهنى وتقفز دوما خلال تعاملاتى فى مصر رغم مرور فترة غير قصيرة على عودتى فى ضوء ما وقر فى يقينى من أن المصريين يفتقدون تلك الثقافة المتمثلة فى الاعتذار سواء عن القيام بعمل لا يستطيعون القيام به أو عن أمر يرونه غير مناسب، أو مجاملة اجتماعية قد يكون من الصعب القيام بها.

الأمثلة عديدة وتملأ حياتنا فى كافة مناحيها، فأنت اذا كنت رتبت مع أحد الحرفيين للقيام بأمر ما فى شقتك وحال اتفاقك معه فإنه إذا لم يجد أن الأمر مواتٍ له على صعيد التكلفة المادية فإنه يتركك على أمل منك بأن يعود فى موعده الذى اتفق معك دون أن يقوم بذلك ودون أن يكلف نفسه عناء مثل هذا الأمر.

قد ترتب مناسبة ما وتدعو آخرين لحضور المناسبة من فرح أو غيرها من المناسبات الاجتماعية ورغم أهمية تحديد عدد الحضور إلا أنك تجد تأكيدا من الجميع على حضوره ثم تفاجأ بعدم تحقق ذلك دون حتى اعتذار من الآخرين.

فى هذا الخصوص أذكر على المستوى الشخصى كنت قد أعددت لدعوة لمجموعة من الأصدقاء على الإفطار فى رمضان وفى يوم الدعوة رحت أؤكد عليهم لضمان التنسيق وخروج الأمر على وجهه الأفضل، وأذكر أننى ظللت على اتصال مع صديق حتى قبل وقت الإفطار بساعتين ورغم تأكيده على أنه سيحضر فإنه فى النهاية لم يأت ولم يعتذر.

شكا لى الكثير من الأصدقاء من أنه فى بعض المناسبات التى تتطلب توجيه دعوات رسمية يتم وضع إشارة إلى إمكانية الاعتذار وتخصيص هاتف لذلك، وأن مردود ذلك بالغ الضعف، حيث لا يكلف الكثير من المدعوين خاطرهم للالتزام بمثل هذا الأمر.

اسأل نفسك أو اسأل أيًا ممن تعرفه عن هذا الجانب على غرار ما تقوم به بعض البرامج الإذاعية من تحديد قضية تكون موضع تناول فستجد أن الكثيرين ستنفتح شهيتهم للحديث فى هذا الامر وسيجدون أمامهم الكثير من الأمثلة على ثقافة عدم الاعتذار رغم أنهم هم أنفسهم قد يكونون طرفا رئيسيا فيها.

فى تقديرى أن تلك الثقافة تمثل أحد أمراضنا الاجتماعية التى يجب التخلص منها باعتبار أن انتشارها يعبر عن تراجع المستوى الحضارى للشعب. قد تكون هذه من القضايا التى يمكن إدراجها فى قضايا الجهاد الأصغر، وأن هناك قضايا أخرى يجب تناولها تمثل ما قد يصطلح على وصفه بالجهاد الأكبر، غير أنه إذا ضاق مثل هذا النوع الأخير من الجهاد، فربما يتطلب الأمر التركيز على الأول باعتبار أن الإصلاح فى إطاره العام سواء جزئيا أم كليا يجب أن يشغل بالنا جميعا. فهل نأمل فى أن نطور تلك الثقافة لتكون جزءا من حياتنا؟

[email protected]