رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

هذه الدنيا

مصر لديها قطاع مصرفى عريق لا نبالغ إن قلنا إنه جزء من تاريخها الحديث، وقد لعب خلاله دوراً لا يُستهان به على المستويين القومى والفردى على حد سواء. تاريخ ممتد قامت فيه البنوك وما زالت بدور رائد، بدءاً من البنك الأهلى المصرى الذى تأسس فى 25 يونيه 1898 أى أن عمره تجاوز 121 عاماً وهو أقدم من تاريخ دول بأكملها وقام تاريخياً بدور البنك المركزى، وأيضاً بنك مصر الذى تأسس عام 1920 ويقترب عمره من الـ 100 عام وهو ليس مجرد بنك، بل هو جزء من تاريخ ونضال هذا البلد لبناء اقتصاد وطنى مصرى 100%.. وبالإضافة إلى هذين البنكين العريقين لدينا صروح مصرفية تعد شريكاً أساسياً فى حركة تطور المجتمع.

والبنوك فى مصر تمارس نشاطها فى إطار من التنافسية بهدف جذب أكبر شريحة من العملاء من خلال تطوير منتجاتها المصرفية وتقديم كثير من الخدمات لتيسير تعاملات المواطنين، فأصبح البنك شريكاً للمواطن فى كل قراراته بدءأً من تمويل المشروع والشقة والسيارة، وصولاً إلى دفع الأقساط والفواتير، بل والمساهمة فى العمل الخيرى بتقديم التبرعات للجمعيات المختلفة.

وحسناً ما تقوم به البنوك فى هذا الأمر خاصة أن خدماتها توفر الحماية للمواطنين من مخاطر السداد النقدى وحمل الأموال، وهذه سياسة جديدة تُعرف بـ«الشمول المالى» وتعنى فى أبسط معانيها أن يصبح البنك شريكاً لعميله فى كل خطواته، وتستهدف جذب أكبر شريحة من المواطنين للتعاملات الرسمية بما يضمن الحد من الوسائل غير الرسمية التى لا تخضع للرقابة أو الإشراف، ولكن تبقى المشكلة الأساسية التى تهدد نجاح «الشمول المالى» هو عدم توافر إمكانيات تقديم هذه الخدمة فى مجتمع ضخم بحجم مصر، وكان من أبرز التحديات التى ظهرت نتيجة التوسع غير المدروس فيها: ظهور طوابير الموظفين أمام ماكينات الصرف الآلى فى الشوارع فى الأسبوع الأخير من كل شهر ويمتد الأمر لعدة أيام من الشهر الجديد لصرف المرتبات وهنا يظهر عدد لا حصر له من المشاكل بسبب هذا الضغط الرهيب الذى يفوق امكانيات أى بنك ويتمثل فى عدم توافر عدد مناسب من الماكينات لخدمة هذا العدد الضخم من العاملين بالحكومة والقطاعين العام والخاص، وعدم تغذية الماكينات بالأموال المطلوبة حيث يفوق احتياج الناس أى جهد يمكن أن يبذله أى بنك لتغذية ماكيناته، فضلاً عن كثرة الأعطال التى تصيب ماكينات الصرف بعد أن تخلينا عن وظيفة الصراف فى مختلف المؤسسات وجعلنا مصر كلها تقف فى الشارع لتلقى رواتبها.. وهنا بدأنا نعود مرة أخرى إلى مخاطر حمل الأموال السائلة بشكل ظاهر فى الشوارع.. والخطير فى الأمر هو عدوى إلغاء دفاتر التوفير التى اجتاحت البنوك خلال الفترة الماضية، حيث كان العميل يستطيع من خلال دفتر التوفير متابعة رصيده بشكل يمنحه الخصوصية، واتجهت إلى إصدار كشوف الحساب التى يتم إرسالها إلى ملايين العملاء مقابل خصم مصاريف ربع سنوية عنوة من الرصيد، وهو ما يعنى بـ «البلدى كده» أن أسرار العملاء أصبحت «على الرصيف».. ويستطيع أى متابع أن يتأكد من صحة كلامى فى مدخل أى عمارة، حيث تتناثر خطابات كشف الحساب بأسماء السكان فى مدخلها وبين أيدى الجيران بلا أى ضابط، وفى الغالب لا تصل الخطابات لأصحابها إلا بالصدفة البحتة، وهو ما يعنى وقوعها فى يد الغير واحتمال اطلاعه عليها من باب الفضول.. وزاد من سوء الأمر أن البنوك ألغت الوثيقة التى كانت تصدرها لعملائها عند شراء شهادات الادخار المختلفة، رغم أنها ورقة عادية لا تكلف البنك شيئاً، وكانت تتيح للعميل معرفة موعد بدء ونهاية الشهادة، وأصبحت تكتفى برسائل على المحمول.. وهذه الرسائل لا تصلح أن تكون صكاً يتابع العميل من خلاله مدخراته وهى عرضة للحذف والضياع مع إصلاح التليفون أو تغييره..

يا بنوك مصر .. رفقاً بأهلنا البسطاء فى ريف مصر وصعيدها ونجوعها، لقد أصبح الشمول المالى بهذه الطريقة التى لا تراعى ظروفنا «وهما كبيرا» سيؤدى إلى عزوف الناس مرة أخرى عن البنوك حين يكتشفون أنها لا تحرص عليهم وتضع خصوصياتهم على قارعة الطريق.. التقليد الأعمى للمؤسسات المالية العالمية خطأ كبير، وأتمنى أن يبادر السيد طارق عامر محافظ البنك المركزى بعقد جلسات حوار مجتمعى لمراجعة هذا «الوهم» الذى لم نر منه إلا المشاكل حتى الآن.

[email protected]