رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

«وبعد أن ألححت علىّ المرة تلو المرة، والكرة بعد الكرة، أن أتولى الحكم، وناشدتنى وطنيتى، واستحلفتنى حبى لبلادى، من أجل هذا، أنا أقبل الحكم؛ إنقاذاً للموقف منك أنت».. كان هذا خطاب النحاس باشا، أمام الملك بعد قبوله تأليف الوزارة فى ٤ فبراير عام ١٩٤٢.

هذا الخطاب، الذى كان أبلغ رد على من ادع، بأن دولة النحاس باشا، جاء على أسنة رماح الإنجليز، وتأكيدًا على موقفه الوطنى، فكانت رسالته إلى السفير الإنجليزى بالنص التالى: «لقد كُلفت بمهمة تأليف الوزارة، وقَبلت هذا التكليف الذى صدر من جلالة الملك، بما له من الحقوق الدستورية، وليكن مفهومًا أن الأساس الذى قبلت عليه هذه المهمة، هو أنه لا المعاهدة البريطانية المصرية، ولا مركز مصر كدولة مستقلة ذات سيادة، يسمحان للحليفة بالتدخل فى شئون مصر الداخلية، وبخاصة فى تأليف الوزارات أو تغييرها».

هكذا كان مصطفى محمد سالم النحاس، زعيم الوفد كما ذكره المؤرخون، الذى كان مستشارًا فى إحدى الدوائر القضائية بمحكمة القاهرة، فى دائرة كان يرأسها صالح حقى باشا، وأثناء نظر إحدى القضايا، التفت رئيس الدائرة إلى «النحاس» وقال له: «سنصدر حكماً بكذا»، فقال النحاس: «أنا لى رأى آخر».. ولكن حقى نطق بالحكم دون الالتفات إليه.

غضب النحاس، وقال بصوتٍ عالٍ أمام الحاضرين داخل الجلسة موجها كلماته لكاتب الجلسة: «اكتب أنه لم يؤخذ برأيى كمستشار لرئيس الدائرة فى هذا الحكم».. وحدثت ضجة كبرى ورفع «حقى باشا» الجلسة، وانتقل إلى غرفة المداولة، وبالفعل تغير الحكم فى تلك القضية، ما جعل «حقي» يشكو «النحاس» إلى وزير الحقانية آنذاك سعد زغلول، الذى أعجب بشجاعة «النحاس»، واستدعاه، لتكون المقابلة الأولى بينهما، التى على إثرها أصدر سعد باشا قراراً ليصبح النحاس قاضيًا جزئيًا تكريمًا له وأصبح ساعده الأيمن ورفيق كفاحه وكان ضمن السبع الذين تحدثوا باسم مصر مع سعد باشا.

مواقف دولة الباشا التى ذكرها المؤرخون وقصها الكُتاب كثيرة ولا تُحصى، ولكنها جميعًا مبعثًا للفخر والتباهى، فقد كان رجلًا شجاعًا، ليس بهياب فى الحق، قويًا بالرغم من الطعنات التى تلقاها من أصدقائه قبل أعدائه، ومن القصر قبل الاحتلال، ولكن أقساها على النحاس باشا، كان موقف رفيق دربه مكرم عبيد، والاستجواب الذى قدمه للبرلمان ولم يكتف بهذا، ولكن سطر «الكتاب الأسود»، الذى اتهم فيه زعيم الوفد بالفساد المالى واستغلاله لسلطاته.

 النحاس باشا، الذى أجلّه زعماء العالم أمثال غاندى، والذى سماه سعد باشا «سيد الناس» يقع عليه ظلم بيّن، وكأن مقولة «لا كرامة لنبى فى وطنه»، تجسدت فى شخصه، الذى وعلى امتداد تاريخ الوزارات المصرية منذ نشأتها، وحتى الآن، لم يتول رجل رئاسة مجلس الوزراء بالقدر الذى تولاها به مصطفى النحاس باشا ٧ مرات، وكان أول من أُطلق عليه لقب «دولة الباشا».

لكن شعور النحاس باشا بعد وفاة الزعيم سعد زغلول، أنه فقد ركنه الشديد الذى يأوى إليه، لم يكن خفياً على الجميع، فعاش النحاس بعد وفاة سعد ما يقرب من ٣٨ عاماً، كانت قاسية حدث فيها انقسامات وانشقاقات وهجوم ظالم عليه، حتى جاءت حركة يوليو ٥٢، وكُتبت آخر سطور الظلم فى حياة النحاس باشا، فتم اعتقاله ثم تحديد إقامته، وشطب اسمه من كتب التاريخ.

عاش دولة الباشا مخلصاً لوطنه، ووفياً للمبادئ التى وضعها مع سعد باشا ورفاقه، حتى لحق بصديقه فى نفس يوم وفاته ٢٣ أغسطس، وكانت جنازته رحمة الله عليه، جنازة مهيبة تليق بعطائه العظيم، تاركًا لنا ميراث لا يقدر بثمن من المواقف الوطنية التى لن تموت ولن تمحى.. رحم الله دولة الباشا فقد عاش زعيمًا ومات زعيمًا.

نائب رئيس حزب الوفد