رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نحو المستقبل

«لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لبيك لا شريك لك لبيك». هذا هو النشيد الذى تهفو به قلوب الحجاج وهم يتوجهون من أرجاء العالم الأربعة ومن كل الأشكال ومن كل الملل والمذاهب والنحل إلى الكعبة المشرفة وهى بيت الله فى الأرض. وللأسف فهم يرددونه بألسنتهم وربما تتأثر به مشاعرهم وقلوبهم لكنهم لا يتفكرون فيه بعقولهم ولا تتأثر به حياتهم وأفعالهم! إن هذه التلبية هى بداية لأداء المسلمين أحد أركان الاسلام الأساسية وهذه الشعيرة قصد بها ليس فقط أداء مناسك تعبدية، بل إن المقصود الأهم والأخطر منها هو لفت نظرهم كل عام وعلى مر الزمان إلى أن توحيدهم لله يقوم على عدم الشرك به، فلا خضوع ولا تذلل إلا لله فهو خالق الكون والبشر وهو الملك الذى ينبغى أن تخضع له القلوب وترتعش عنده الأبدان، إنه الوحيد صاحب وخالق كل النعم ومن ثم فلا ينبغى أن يحمد سواه ولا شكر ولا طاعة إلا له وهذا يعنى ببساطة أن المسلم الحق لا يخشى إلا الله ولا يمتثل إلا لأوامره. وعلى ذلك تبنى ثقة المسلم بنفسه وبقدراته فهو فى معية الله وتحت رعايته ومن كان الله يرعاه فلا ينبغى أن يلتمس معونة وحماية من أحد غيره مهما علا شأنه فى الأرض ومهما امتلك من قوة.

وحينما يصل المسلمون إلى الكعبة ويطوفون بها جماعات وأفرادا، وحينما ينفرون إلى جبل عرفات ومنه إلى منى لاستكمال بقية شعائر الحج ألا ينظر كل منهم حوله!! فماذا سيجد؟ إنه سيجد أن كل مسلمى الأرض بمختلف أشكالهم وأجناسهم ومللهم ومذاهبهم حوله يؤدون نفس الشعائر وبنفس الطريقة، أين إذًا كل صور الاختلاف بين المذاهب التى يؤمنون بها؟ من منهم السنى ومن منهم الشيعي، من منهم الحنبلى ومن منهم الشافعي، من منهم الزيدى ومن منهم الجعفرى؟! لقد توحدت القلوب والحناجر وتآلف الجميع يساعد بعضهم بعضا ويتعاونون على أداء نفس النسك والشعائر ليس لهم من هدف إلا رضا الله، فأين هذا من حياتهم بعد أن يغادروا إلى بلادهم ؟! إنهم يعودون إلى حال الخلاف والصراع!! والطريف والمؤسف حقا أنهم يردون هذا الصراع إلى اختلاف المذاهب الفقهية التى يؤمنون بها! والحقيقة إن تلك كلها خلافات وصراعات دنيوية ترتد إلى نوازع توسعية ومحاولة تحقيق أهداف سياسية تتعلق بالهيمنة والسيادة ولا علاقة لها بالإسلام ولا بتلك المذاهب الفقهية التى تتعلق فى الأساس بأمور دينية وليست دنيوية! والسؤال الذى يكاد يفقد أى مسلم سوى الصواب والحكمة هو: على أى شيء يتصارع ويتحارب المسلمون فيما بينهم؟! هل على أساس من كان أحق بالخلافة قديما أبو بكر أم على؟! أم على أساس من أحق بالسيادة حاليا؟! وبالطبع فالإجابة واضحة إنه صراع إرادات ومصالح سياسية تتعلق بالسيادة والهيمنة!! ويلح حينئذ السؤال التالى: أى سيادة وأى هيمنة من منظور هؤلاء المتصارعين وهم يستحلون دماء بعضهم البعض ويتناسون أن «كل المسلم على المسلم حرام»، أى سيادة وأى هيمنة وأى صراع بين المسلمين الموحدين فى الوقت الذى لا يزال ثالث الحرمين وأولى القبلتين يرزح تحت الاحتلال، أى صراع بين المسلمين الموحدين أيا كانت مذاهبهم وأيا كانت اختلافاتهم والقدس محتلة وأهل فلسطين مشردون ولاجئون!!

إن غياب الوعى عند المسلمين بهذه الأمور يحير أى مسلم يؤمن بدينه حقا وفعلا وليس قولا وزيفا وكثيرا ما يتساءل المرء: كيف يتخلص المسلمون من هذه الصراعات وكيف يتعالون على الخلافات المذهبية لتحقيق المصالح العليا للمسلمين ويواجهون كل ما يحاك لهم من مؤامرات وما يحيط بهم من تحديات؟! إنه نفس السؤال الكبير الذى شغل كل المصلحين المخلصين فى العالم الاسلامى فى العصر الحديث من جمال الدين الأفغانى ومعاصريه حتى الآن. وبعيدا عن كل ما يقال نظريا فى هذه الأيام، فالإجراءات التى ينبغى أن تتخذ على الأرض يمكن أن تبدأ من انسحاب ايران من الجزر الاماراتية المتنازع عليها ومن اعلان ايران وذراعيها حزب الله فى لبنان والحوثيين فى اليمن تخليهم عن افتعال أسباب الصراع وعن التدخل فى شئون بلدهم إلا ما يكفل لهم كامل حقوق المواطنة، وكذلك من اعلان تركيا تخليها عن أحلام عودة الخلافة العثمانية والانسحاب من سوريا واحترامها لحقوق الدول الاخرى بعدم التدخل فى شئونها. إن هذه هى البداية الحقيقية لإقرار المصالحة الشاملة للعالم الاسلامي. إنها فى تخلى ايران وتركيا عن أحلامهما التوسعية واعلاء المصالح العليا للإسلام والمسلمين فى عصر اعتبر فيه الغربيون أن الاسلام والمسلمين هم العدو الأول رغم أنهم نجحوا إلى حد بعيد فى انهاك المسلمين وتشتيتهم واذكاء الصراعات بينهم!! فهل آن أوان أن يتحلى قادة الدول الاسلامية بالوعى الذى ينير البصائر ويوحد القلوب والعقول نحو الاستفادة من دلالات شعيرة الحج الرمزية ويحولوها إلى واقع فعلى يتجاوز فيه المسلمون خلافاتهم المذهبية لإعلاء شأن الاسلام والمسلمين فى العالم؟! أتمنى ذلك كما يتمناه كل مسلم بعيدا عن أحلام السيادة وأساطير الهيمنة من دولة على أخريات أومن حاكم على الباقين!!

[email protected]