رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نحو المستقبل

هناك نمط من أساتذة الفلسفة يعملون فى صمت وتواضع ودون ضجيج أو تعالٍ لخدمة تخصصهم الدقيق وعلى رأس هؤلاء د. محمد مدين؛ فهو مؤلف ومترجم العديد من الكتب الرصينة فى الفلسفة المعاصرة عموما والفلسفة التحليلية منها على وجه الخصوص وهذا مجال انفرد به د. مدين بعد الجهود الرائدة للدكتور زكى نجيب محمود ود. عزمى اسلام ود. محمد مهران رحمهم الله، فقد كتب كتابا عاما عن الحركة التحليلية فى الفلسفة المعاصرة كما كتب عن أبرز الفلاسفة التحليليين جورج مور، كما ترجم عدة مؤلفات فى نفس الاتجاه كان آخرها هذا الكتاب الهام «فلسفة القرن العشرين» الذى كتبه بالهولندية برنارد دلفياجو ونقله إلى الانجليزية ن. د. سميث وقد أحسن د. مدين صنعا حينما نقله إلى لغتنا الجميلة - اللغة العربية بأسلوب شديد العذوبة والسلاسة لدرجة يحس القارئ معها أنه يقرأ كتابا مؤلفا وليس مترجما وهذه خاصية لم يتمتع بها ممن ترجموا المؤلفات الفلسفية إلى العربية إلا عددا محدودا من أساتذتنا كعثمان أمين وفؤاد زكريا وأبو العلا عفيفى وزكى نجيب محمود وأحمد فؤاد الأهوانى رحمهم الله جميعا.

وقد تميز هذا الكتاب باشتماله على عرض غير تقليدى للتيارات الفلسفية المعاصرة بدأ بالحديث عن خلفيات هذه التيارات المعاصرة سواء بعرض ما سبقها من خلفيات تاريخية من فلسفات القرن التاسع عشر، إذ اعتبر أنها (أى فلسفات القرن العشرين ) كانت فى مجملها تقدم اجابات وحلول التساؤلات التى أثارها فلاسفة القرن التاسع عشر أو من خلفيات راهنة تتعلق بعلاقات الترابط والتكامل بين هذه التيارات الفلسفية المعاصرة التى تضافرت جميعا وتكاملت فى محاولة بلورة المشكلات الفكرية والعلمية الراهنة للقرن العشرين ووضع الحلول المناسبة لها.

وبناء على هذه الخلفيات التاريخية ومن منظور منهجى انتقائى بدأ المؤلف بالحديث عن تيارات الفلسفة المعاصرة التى قدمت أولا حلولا خارجة من التراث الفلسفى السابق واستهدفت اعادة تجديد الفكر القديم؛ مثل التوماوية الجديدة والكانطية الجديدة والهيجلية الجديدة والماركسية فقد استلهمت هذه التيارات كما هو واضح حتى من أسمائها فلسفة توما الأكوينى فى التجديد الدينى وفلسفة كانط النقدية وفلسفة هيجل المثالية وفلسفة ماركس التى كانت رد الفعل المادى للمثالية الهيجلية.

وقد تحدث مؤلفنا ثانيا عن التيارات الفلسفية المعاصرة التى قدمت حلولا لمشكلات العصر نتيجة لما سماه «التحول فى الاتجاه» وعنى بذلك أن هذه التيارات الفلسفية الجديدة قدمت حلولا جديدة مستقلة نسبيا عن التراث الفلسفى، إذ «لا يوجد فى نظره تساؤل جديد ولا حل جديد هو منبت كليا عن الماضى» وبالتالى فالفلسفات التى امتازت بالجدة والأصالة فى القرن العشرين لم تكن مقطوعة الصلة تماما بالماضى وان نجحت فى النظر إلى المشكلات المعاصرة من منظور مستقبلى وقد استحوذ عرضه لهذه التيارات ذات النظرة المستقلة المستقبلية على معظم الكتاب حيث قدم فيه عرضا للفلسفة البراجماتية التى تعتبر وخاصة عند وليم جيمس وجون ديوى معبرة عن الرؤية العلمية المستقبلية للعالم الجديد فى أمريكا وهى تلك الفلسفة التى حظيت بانتشار واسع فى أوروبا ومختلف دول العالم بنزعتها العلمية العملية التى تنظر للأفكار على أنها أشبه بخطط عمل مستقبلية ويقاس صدق هذه الأفكار بمدى ما تحققه من نتائج تغير حياة الانسان وتجعلها أكثر ثراءً ورخاءً.

كما عرض للفلسفات ذات النزعة التاريخية وذات النزعة اللاعقلانية وذات النزعة الحيوية وذات النزعة الشخصانية بنفس الروح التى عرض بها لفلسفة التطور وآراء أعلامها وفلسفة الفعل وآراء أعلامها وكذلك لفلسفة الروح وأعلامها وكذلك للفلسفة الفينومينولوجية والفلسفة الوجودية والوضعية الجديدة والواقعية الجديدة، وأكد من خلال هذا التصنيف الانتقائى الجديد الطابع الجدلى للفلسفة فى القرن العشرين، مبينا أن هذا المنهج الجدلى كما وجد فى الفلسفة نجده أيضا فى الفيزياء وفى العلاج النفسى وفى كل علم آخر، إن هذا التوتر الجدلى بين قطبى وحدة الفكر من جهة والعمل من جهة أخرى كان هو القوة الدافعة لكل فلسفات القرن العشرين، وكان السر وراء ازدهارها أنها عبرت عما يعانيه الانسان المعاصر من بؤس ومعاناة فى الوقت الذى حاولت فيه التماس طريق أو طرق جديدة للحياة الأخلاقية السوية التى يتوافق فيها العلم مع الدين والفن.

إن بهذا الكتاب استعراضا بانوراميا جديدا حقا لفلسفات القرن العشرين والمشكلات الرئيسية التى اهتمت بها وإن غاب عن المؤلف التركيز على ممارسة النظرة الجدلية معها هى نفسها، إذ لم يبين لنا مثلا مدى الارتباط بينها وبين ما سببته الأفكار التى أطلقها بعضهم من نظرة عنصرية ومن حروب طاحنة بين الأوروبيين أنفسهم وما قاموا به من حملات استعمارية نتج عنها احتلال الدول الأخرى ونهب ثرواتها! كما أنه قد توقف عند ستينيات القرن العشرين ومن ثم فلم يقدم لنا الصورة التى تطورت بها فى نهايات القرن العشرين، ومن هنا وجب على مترجمه د. مدين استكمال تلك الصورة فى كتاب جديد مؤلف أو على الأقل فى مقدمة الطبعة الجديدة من هذا الكتاب.

[email protected]