رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

 

 

منذ ما يقرب من نصف قرن والمصريون يعيشون حياتهم يومًا بيوم.. نحن أقرب ما يكون فى موقفنا من الحياة بعامل اليومية الذى يخرج كل صباح بانتظار فرصة جديده للبقاء – وليس الحياة - وكأن العالم أو الدنيا تخلق من جديد كل يوم.. الآمال عندما تموت لحظة ولادتها تخلق لدينا وهمًا بأن غدا سيعوضنا خيرا عن الأمس باعتبار أن لا صلة بين الاثنين، وعلى اعتبار أن الأمس ليس علة واليوم نتيجة لهذه العلة بكل ما تحمله داخلها من أحكام وقوانين وتجارب.. الحقيقة أنه حتى الأديان لم تولد فى فراغ ولكنها ظهرت فى اللحظة التى بدا فيها مسرح الحياة جاهزا لاستقبالها بعد مخاض عقود وقرون.. الجهل بالتاريخ أسوأ وأشرس أنواع الغباء البشرى لأنه يحول العقل من جهاز عظيم للتفكير والتأمل إلى مجرد وعاء ينتظر ما سيلقى به من مخلفات الزمن.. ووفق هذا التصور فإن الأحدث يطفو ويخفى ما قبله ويتوهم أعداء التاريخ أن العائم على السطح هو الحقيقة.. الحقيقة يلخصها عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين فى أوليات كتبه (1922 ) التى نال بها درجة العالمية «تجديد ذكرى أبى العلاء» بقوله « الخطأ كل الخطأ أن ننظر إلى الانسان نظرنا إلى الشىء المستقل عما قبله وما بعده – ذلك الذى لا يتصل بشىء مما سبقه أو أحاط به. ذلك خطأ، لأن الكائن المستقل هذا الاستقلال لا عهد له بهذا العالم. إنما يأتلف هذا العالم من أشياء يتصل بعضها ببعض ويؤثر بعضها فى بعض. ومن هنا لم يكن بين أحكام العقل أصدق من القضية القائلة: بأن المصادفة محال، وأن ليس فى العالم شىء إلا وهو نتيجة من جهة، وعلة من جهة أخرى: نتيجة لعلة سبقته، ومقدمة لأثر يتلوه. ولولا ذلك لما اتصلت أجزاء العالم، ولما كان بين قديمها وحديثها سبب، ولما شملتها أحكام عامة، ولما كان بينها من التشابه والتقارب قليل ولا كثير».

رؤية الدكتور طه حسين منذ قرن من الزمن تلخص فى عبقرية ما نفتقده فى حياتنا الثقافية والسياسية منذ منتصف القرن الماضى وحتى اليوم.. لا السنوات ولا الناس إذن جزر معزولة لا صلة لها ببعضها البعض، ومن الوهم والغباء التاريخى أن نتصور أنه على حد سواء الأنبياء أو القادة يهبطون من السماء وكأنهم قدر يجب التسليم به من باب الايمان وليس الرضا.. الشعور بعدم الرضا وقبول الواقع كما هو يستلزم بالضرورة أن نسأل انفسنا – هل اللحظة المعاصرة التى نحياها بحلوها ومرارتها منفصلة عما سبقها؟ هنا لكى نفهم نحتاج لمعرفة ماذا حدث من قبل وأدى إلى الواقع الذى نحياه ونعاصره.. احتقار التاريخ وتجاهل فعل الزمن من اعتبارات الفهم والتخطيط هو سقوط مدوٍ للمنطق والعقل.. مثلا.. بين نقطة بدأ منها محمد على باشا عام 1805 ونقطه بدأ منها الرئيس عبدالفتاح السيسى يوم 3 يوليو 2013 هناك خط متصل لم ينقطع.. نهر يجرى وجرت بين ضفتيه أحداث ووقائع متصلة ببعضها ومؤثرة فى بعضها.. عرابى وسعد ومحمد فريد ومصطفى كامل وسعد زغلول وغيرهم شقوا طريقا طويلا ووعرا نحو الاستقلال اكتملت ملامحه بظهور جمال عبد الناصر وجماعة الضباط الأحرار فى يوليو 1952.. الرئيس السادات كان آخر رجال يوليو ولكن رحيله لم يكن نهاية لنظام يوليو 1952.. هناك فارق كبير بين نهاية الأشخاص ونهاية الأنظمة.. فى تصورى أن الدولة المصرية حتى اللحظة هى امتداد لنظام يوليو 1952.. ليس فى ذلك عيب أو نقيصة.. الجمهورية الفرنسية اليوم هى امتداد لأول جمهورية فرنسية ( 1792 – 1804 ) أشرقت شمسها بغروب عصر الملكية الفرنسية بخلع الملك لويس السادس عشر وكانت أول جمهورية فى أوروبا.. تعاقب على حكم فرنسا الكثير من القادة التاريخيين.. انتصرت التجربة وانتكست مرات ومرات وبقيت فرنسا.. نحن فى مصر لا نعرف من الألوان إلا الأبيض والأسود.. نرى بعضنا وغيرنا كأنبياء أو شياطين.. بين النبوة والشيطنة توجد الحياة وتجاربها.. فاتورة الجهل بالتاريخ تهدد أى أمة فى وجودها .. ما أحوجنا اليوم للاعتذار للتاريخ باحترام قوانينه وسننه.. أمريكا أكبر دولة فى العالم لا يهددها اليوم أكثر من عار رجل جاهل بالتاريخ يصر على إعادة كتابة التاريخ بالسطو على حقائقه.