رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

«نحو المستقبل»

لا شك أن المراجعة الفكرية للأفكار والآراء الذاتية مسألة مهمة وضرورية كلما جد جديد يستوجب هذه المراجعة، وكم يكون من الصعب على أى مفكر التراجع عن رأى تبناه من قبل وقدم عليه الحجة تلو الأخرى!! أقول هذا الكلام بعد حوالى عشرين عاما من صدور كتابى «ضد العولمة» و«فى فلسفة الثقافة»؛ فقد كنت فيهما مقتنعا بأن العولمة الثقافية تكاد تكون مستحيلة وأن التنوع الثقافى والتعددية الثقافية هى التى ستنتصر على مظاهر تلك العولمة الثقافية المفروضة علينا من قبل الهيمنة والمركزية الغربية التى سميتها حينئذ «غربنة العالم» أو «الأمركة» وكلاهما يتقاطع مع الآخر مع الغلبة النسبية للأمركة باعتبار أن أمريكا هى التى تملك أكبر قدر من التأثير على العالم ثقافيا وأن الثقافة الأوربية أضحت تابعة للثقافة الأمريكية بعد أن كانت السبب فيها!!

ولكن للأسف – وبعد مرور هذه السنوات سنة وراء أخرى – لاتزال الهيمنة الثقافية الغربية عموما والأمريكية خصوصا تستأثر بالعقول وخاصة عقول الشباب وعلى وجه أخص أولئك الذين ولدوا فى العشرين سنة الأخيرة وذلك عبر الوسائل التكنولوجية الحديثة والمتجددة مثل الانترنت بكل ما أتاحه من مواقع للتواصل الاجتماعى مثل الفيس بوك والواتس آب والانستجرام وغيرها! وكذلك ما أتاحه من مواقع تبث برامج تعليمية أون لاين سواء كانت جامعية معتمدة أو غيرها! والفضائيات التى غزت البرامج والأفلام الأمريكية من خلالها عقول أبنائنا وشبابنا لدرجة أنهم أصبحوا يضبطون مواعيد يقظتهم ومنامهم على مواعيد اذاعة هذه البرامج والمسلسلات والأفلام الأجنبية ليتشربوا من خلالها عادات وأفكارا ليست هى بالقطع عاداتنا وليست بالقطع مناسبة أو متماشية مع معتقداتنا الدينية والأخلاقية!! وللأسف الشديد توازى مع ذلك تخلينا عن نظمنا التعليمية الوطنية لصالح نظم تعليمية أجنبية انتشرت كانتشار النار فى الهشيم بإنشاء عشرات المدارس والجامعات الأجنبية على أراضينا وبين ظهرانينا لتأخذ أبناءنا وشبابنا إلى التشكل والتماهى مع لغات وآداب وثقافات مختلفة، فهذه فئة من الشباب خريجى المدارس والجامعات الانجليزية والأمريكية وهذه فئة أخرى من خريجى المدارس والجامعات الألمانية وهذه فئة ثالثة من خريجى المدارس والجامعات الفرنسية وهذه فئة رابعة من خريجى المدراس والجامعات اليابانية وهكذا وهكذا... وكل هؤلاء الشباب من الجنسين لم يعودوا قادرين على التحدث أو الكتابة بلغتهم القومية وأصبحوا يتفاخرون بذلك وينسلخون عن أهليهم ومجتمعهم شيئا فشيئا، واذا سألت أحدهم عن تاريخ بلده أو دينه وثقافة بلده لا يعرف عنها إلا النزر اليسير الذى يجعله حين التفضيل لا يفضل إلا اللغة والثقافة التى درسها ومن ثم انتمى إليها! وكم وجدت فى قاعات الدرس الجامعى وفى الندوات التى أحضرها بل وفى الشوارع والتاكسيات التى يقودها بعض هؤلاء الشباب، كم وجدت شبابا ناقما على وجوده فى بلده ويتمنى – مع شديد الأسى والأسف – أن يهجرها ويسافر إلى أى بلد أوربى أو أمريكى فهذه أو تلك أقرب إلى قلبه وعقله من بلده التى ولد وتربى فيها، وكم صدمت حينما قال لى أحدهم إن بلده هى أمريكا وأنه مواطن أمريكى وليس مصريا أو عربيا فالمواطنة المصرية أو العربية قد فرضت عليه بحكم ولادته لكنه لم يخترها وهو الآن وحينما بلغ العشرين أو أقل أو أزيد قليلا أدرك أن انتماءه الحقيقى بحكم اللغة والثقافة والتعليم لبلده الحقيقى «أمريكا» وهو يحلم باليوم الذى يغادر فيه إلى بلده الذى اختاره ليعيش فيه ويحقق حلمه وأهدافه هناك!!
إن كل القيم التى تربينا عليها وتعلمناها قد ضرب بها هؤلاء الشباب عرض الحائط وكأنهم ليسوا منا ولسنا الآباء والأمهات الذين تعبوا وعلموا وربوا وكأن وجودهم بيننا مجرد محطة أجبروا على النزول فيها وليس أمامهم بعدها إلا مواصلة الطريق والسفر إلى بلدهم الأصلى «أمريكا»!! إن علينا إذًا أن نعيد النظر فى تعريف المواطنة والانتماء والهوية لنتساءل: كم هى النسبة التى نعطيها للتعريفات التقليدية وكم هى النسبة التى ينبغى أن نعطيها للمواطنة والهوية الرقمية الالكترونية؟!
لقد دار الرأس وحار العقل فيما ينبغى مراجعته من آراء وأفكار ضربتها التطورات التكنولوجية والرقمية فى مقتل وساعدنا نحن على عمق وتعميق أثر هذه الضربات بنظامنا التعليمى المزركش بكل اللغات والألوان الثقافية دون أن نفكر بجدية فى تقوية وتحديث نظام تربوي تعليمي قومي موحد يأخذ بكل صور التقدم فى النظم التعليمية المتطورة فى العالم ليتربى عليه أبناؤنا كلهم ولا يتعلمون إلا فى ظله ودون منافسة من سواه!!

[email protected]