رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ضوء فى آخر النفق

حياة بعض رفاق المهنة بعد الستين غريبة وموحشة وربما قاحلة! لم يحدث أن امتلكت أى جهة فى مصر معلومات متكاملة عن أعداد الصحفيين المتقاعدين (عالمعاش يعنى)..والذين قضوا فى المهنة ما بين ثلاثين إلى أربعين عامًا فى بلاط صاحبة الجلالة. تُرِك هؤلاء وكأنهم مثل خيل الحكومة! تجارب ضخمة.. هائلة.. تذهب هكذا هباءً منثورًا! وبينما هناك أجيال أخرى تدخل البلاط، جيلًا فى إثر جيل، إلا أن الحاصل هو هذا الانقطاع الكامل بين الأجيال! بعض الكبار اختاروا التقاعد التام، ليقضوا أوقاتهم بين الأرض والعيال، أو سياحًا فى البرارى، أو يتسامرون فى الكافيهات والمقاهى حتى مطلع الشمس، فيخلدون إلى النوم نهارًا كاملًا، ثم يعاودون الكَرَّة عند حلول المساء! هل يستطيع الصحفى أن يتجاهل تعاليم مصطفى أمين؟ كان يعلم أجيالًا داخل «أخبار اليوم»، وتتعلم منه أجيال أخرى خارجها وبطريقة غير مباشرة، ربما من دون أن يقصد، فتعاليمه كانت تسرى فى الوسط الصحفى كله. تملأ الصحفيين بالثقة بأنفسهم، وبقدرة مهنتهم على التغيير. كان يقول: الصحفى يعمل 24 ساعة فى الـ24 ساعة. الصحفى لا يستأذن فى الدخول على الوزير ولكنه يدخل مكتبه بقوة مهنته وبلا استئذان. لا أفهم كيف فقد هؤلاء الكبار متعة المهنة فاختاروا البقاء فى دفء أُسَرِهم (أو أسِرَتِهم) لا فرق، وفضلوا تلك المتعة البسيطة على المتعة الكبرى، بالتواجد ولو مرة واحدة أسبوعيًا فى مقر مؤسستهم الصحفية، فيستعيدون إحساسهم بالألق والقدرة، بل والحياة مرة أخرى، فى أجواء صالات التحرير، حيث تصنع الأخبار وترسم الصفحات وتفوح روائح الأوراق المطبوعة. ماذا لو فكروا فى نقل خبراتهم إلى أجيال جديدة.. فيقودون فرق عمل من شباب المتدربين، فيواصلون تفجير القضايا وتحقيق الخبطات الصحفية، فتشعرهم ببقائهم وتأثيرهم ونفعهم للأجيال الجديدة، وربما يساعدون صحفهم فى معركتها من اجل البقاء والمنافسة.

لا اتخيل أحدًا من المتقاعدين، حتى لو كان قضى حياته مجرد مندوب فى وزارة، يمتعه الاعتكاف لصيد السمك، فيقضى جل وقته يطارد سمكة، أو يربى دجاجة، أو يعلف أبقارًا، أو ربما يعد «إبلًا» لسباقات الهجن متى شُرِع فى تقليد دول خليجية تنظمها!

صحفيون متقاعدون؟!. فكرة لا يمكننى تقبلها، حتى لو كانت التجربة غير مثمرة بما يكفى، إذ يمكن لمجموعات متجانسة ممارسة المهنة بروح ما بعد الستين. روح المخضرمين القادرين على تحويل الفسيخ إلى شربات. ربما كانت مسئولية مقترحة على النقابة.. فتحصى أعدادهم وتخاطبهم، فيوثقون تجاربهم فى مركز التدريب الذى كان أملًا فى صقل مهارات المتدربين الجدد. ربما رؤساء التحرير يجدون لديهم وقتًا لدراسة الفكرة، والاستفادة من زملاء لهم غادروا مقاعدهم الرسمية، ليحضروا بعد ذلك متوشحين بألق تجربتهم المهنية الثرية. يقينًا هى مسئولية الصحفى المتقاعد، أن يفكر فى طريقة ما ليبعث حيا من جديد، وليكف عن تشييد ضريحه الرخامى بنفسه والجلوس فى بيته، منتظرًا إقامة سرادق عزائه..فما جدوى أن يشيع وهو على قيد الحياة؟

قرأت كثيرا لأمثال هؤلاء الزملاء، وصدقونى كم تمنيت أن أدق أبواب بيوتهم بيتًا بيتًا، لأقول لهم كفوا عن حالة الموات أو البيات الشتوى بتعبير أكثر رقة - وأكثر كذبًا فى الحقيقة - فكفى موتًا وانتم على قيد الحياة إن لم يكن من أجلكم فمن أجل بعض من عبير مهنة الأحلام!