رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

على فكرة

كثيرة هى التحديات التى باتت تواجه تونس بعد رحيل الباجى قايد السبسى.

كان ظهور «السبسى» فى المشهد السياسى التونسى بعد سقوط نظام بن على، رئيساً للحكومة ومؤسساً لحزب نداء تونس ثم رئيساً للجمهورية، أحد العوامل الحاكمة، التى حمت من الانهيار المؤسسات الراسخة للدولة التونسية وحالت بين الفوضى، التى واكبت البروز الكثيف لتيار الإسلام السياسى بقيادة جماعة الإخوان فى حركة النهضة فى الساحة السياسية، وبين أن تتمدد تلك الفوضى لتصبح حروباً أهلية شبيهة بما يجرى فى بعض دول المنطقة.

مارست «النهضة» العنف ونشرت أجواء من الإرهاب الفكرى والفوضى واغتيال المعارضين السياسيين، وفتحت تونس كمعسكر لتدريب إرهابيين وإرسالهم «للجهاد» فى سوريا وليبيا، يوم تمكنت عبر صندوق الانتخاب، من تصعيد مرشحها المنصف المرزوقى، إلى موقع رئاسة الجمهورية.

وخلال خمس سنوات من رئاسته للبلاد، تمكن «السبسى»، أن يعيد للدولة وجهها المدنى والدستورى، الذى تتربص به حركة النهضة ليل نهار، وأن يلجم نزوعها للفوضى والهيمنة، وويجبرها على الموافقة على تشريعات تقر بمساواة المرأة الرجل فى الميراث بالتراضى، وزواج المسلمة من غير المسلم، ليكشف أمام جمهورها الذى يمنحها الأصوات فى الانتخابات، أن مرجعيتها الدينية، ما هى إلا محض متاجرة بالدين لأسباب انتخابية !

ليس سراً أن إسقاط الشعب المصرى لحكم جماعة الإخوان من سدة الحكم بعد عام مظلم من الفشل، قدم دعماً معنوياً كبيراً لسياسات «السبسى» التى دافعت عن تونس دولة مدنية حديثة لا خلط فيها بين الدين والسياسة.

قبل رحيله، أكد الرئيس «السبسى» أن ملف الجهاز السرى المسلح لحركة النهضة مازال مفتوحاً، وخاضعاً للمساءلة القانونية، ومصيره بأيدى القضاء، ورفض أن يوقع على التعديلات على القانون الانتخابى الذى أقره البرلمان التونسى مستعيناً بأغلبية للنهضة وأنصارها، لأنها كما قال تكرس الإقصاء.

وبعد رحيله، طالبت أكبر منظمة نقابية، وأكثرها تأثيراً فى الحياة السياسية، وهو الاتحاد العام التونسى للشغل، باعتماد القانون الانتخابى بدون التعديلات التى رفضها السبسى، مبرراً ذلك بتعارضها مع الدستور ولمصادرتها إرادة الناخبين. وحدها حركة النهضة،من يتمسك بتلك التعديلات، التى تراهن الحركة على أن الإبقاء عليها يستبعد مرشحين أقوياء منافسين لها على مقعد الرئاسة، بعدما تقرر تقديم موعد اجرائها من نوفمبر إلى 15 سبتمبر القادم.

 وفى مفاجأة طالت أعضاء حزبه قبل سواهم، أعلن راشد الغنوشى منذ أيام تصدره لقائمة المرشحين من حزب النهضة، فى الانتخابات التشريعية القادمة فى العاصمة تونس. وهى الخطوة التى فسرها مناصروه، بالتمهيد لتولى رئاسة البرلمان التونسى، أو الترشح للانتخابات الرئاسية!

انقضاض جماعة الإخوان على الحياة السياسية التونسية بعد رحيل السبسى، يعززه ضعف القوى السياسية المدنية، وتفتتها، وافتقادها للثقة من عموم المواطنين والناخبين، الذين تدهورت أحوالهم المعيشية مع استمرار الأزمة الاقتصادية الخانقة، والانقسامات التى طالت حزب نداء تونس، وعدم بروز شخصية كارزمية متفردة وتحظى باحترام ومحبة التونسيين، حتى الآن، بحجم وحكمة وخبرة «السبسى». كما يعززه قبل هذا وبعده، الروابط الوثيقة التى تربط جماعة الإخوان بأجهزة المخابرات فى الدول الغربية، التى لا تكف عن المراهنة على الفوضى التى تنشرها الجماعة، كطريق آمن لفرض النفوذ الغربى على دول المنطقة!

ويعززه كذلك، أن الحدود التونسية مع ليبيا، هى تلك التى يسيطرعليها الفرع الليبى من جماعة الإخوان بقيادة فايز السراج، حيث تتدفق على حركة النهضة الأموال والأسلحة القطرية والتركية والغربية.

لكن مثل هذا السيناريو المظلم، يتجاهل وعى الشعب التونسى وثقافته، وخبراته الحداثية والتحررية الموروثة منذ منتصف القرن التاسع عشر حين عرف الحياة الدستورية، وهو ما يجعله يأبى أن يحكمه نظام استبدادى يتاجر بالدين، بديلاً للحكم المدنى الاستبداى الذى ثار لإسقاطه.