عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

(نحو المستقبل)

كلما هل يوم الثالث والعشرين من يوليو يوم الذكرى السنوية لثورة يوليو العظيمة تذكرت ذلك الطفل الصغير الذى ولد بعدها بنحو عام، وكان يقترب من سن السادسة من عمره حين وقف إلى جوار والده أمام منزلهما وقد جاءهما أحد خفراء القرية وسلم والده ورقة صغيرة وهو يقول له بلهحة آمرة: «ده طلب علشان ابنك يروح المدرسة السنه الجايه»، وبدا للطفل الصغير أن الوالد لم يهتم كثيرا بالأمر ودس الورقة فى جيبه دون أن يعلق!!

ولما جاء وقت افتتاح الدراسة ووجد الطفل أقرانه الصغار يلبسون الزى المدرسى ويذهبون برفقة والديهم إلى مدرسة القرية، قرر أن يذهب معهم بالجلباب والشبشب قائلا لنفسه إن الحكومة هى التى طلبته للذهاب للمدرسة!! وكان يوما مشهودا فى حياة الطفل الصغير إذ كان أحد أقاربه وكيلا لهذه المدرسة ولما شاهده بهذا المنظر الغريب وسط «حوش» المدرسة نادى عليه ووبخه قائلا بلغة عربية فصحى- فقد كان يلبس زيا أزهريا ويعمل مدرسا للغة العربية والدين: أين أبوك.. كيف تأتى المدرسة بدون «مريلة» (كانت هى الزى المدرسى آنذاك)؟! فرد عليه الطفل ببساطه: ايه يعنى المريلة أنا جئت لأن الحكومة طلبتنى!! فدهش المدرس واستأذن للطفل من مديرة المدرسة ليحضر اليوم الأول بهذا الشكل!! وفى نهاية اليوم الدراسى ذهب معه إلى والده وعنفه على أنه أهمل الطلب الحكومى ولم يجهز ابنه للذهاب للمدرسة!! لكن الوالد فاجأه قائلا: إن ابنى لن يذهب للمدرسة!! إنه يحتاجه لمساعدته فى أعمال الفلاحة (أى الزراعة)، فرد عليه المدرس بعنف: الدولة ستسجنك ان لم تستجب للطلب!! ثم أضاف برفق يا حاج ابنك ذهب للمدرسة بمفرده ولديه الرغبة، اتركه يذهب ولو رسب أخرجه منها!! وقد امتثل الوالد لذلك، وقرر أن يلبى الطلب مهددا ابنه بأنه لو رسب فى أى سنة سيكون مصيره «الحمار والحقل»!!. وقد كان هذا هو السيف المسلط على رقبة الطفل طوال حياته الدراسية، وقد دفعه ذلك الأمر ليس فقط للنجاح بل للتفوق الدراسى، وهكذا لو لم تكن الدراسة بالمدارس إلزامية ومجانية على يد ثورة يوليو لما دخل هذا الطفل وأمثاله المدرسة ولما تخرجوا أطباء ومهندسين وعلماء، لقد كانت مدارس عصر الثورة عامرة بالمدرسين الأكفاء المخلصين الذين يملأون عقول الطلاب علما ويعطونهم الوقت والجهد كله ويتنافسون على اجتذاب الطلاب للتفوق ليس فقط فى المناهج التعليمية بل فى الأنشطة الرياضية والاجتماعية والثقافية المتميزة، وكان التنافس على أشده بين المدارس سواء داخل المحافظات أو على مستوى الجمهورية فى كل هذه الأنشطة التعليمية والترفيهية وكانت المدارس حتى فى المحافظات النائية والقرى تحظى بنفس المميزات من المعامل المجهزة النظيفة والمكتبات المليئة بكل أنواع الكتب، إلى الأدوات الرياضية المناسبة لكل الألعاب، وكانت المسابقات المدرسية أداة لاكتشاف الموهوبين والمتميزين علميا ورياضيا على مستوى الجمهورية، وكم كان التلاميذ يحظون بالرعاية الكاملة من الدولة من أول الوجبة المدرسية التى كانت تكفيهم وأكثر حتى الرعاية الصحية والبدنية والاجتماعية والثقافية، وكم كان عيبا على أى تلميذ أن يفشل فى ظل هذا الانضباط المدرسى وهذا الجهد الخرافى المبذول من كل المدرسين الذين كانوا خير قدوة علما وخلقا، ومن ثم كان الذهاب للمدارس المسائية الخاصة عيبا وكانت الدروس الخصوصية كذلك تعد مظهرا من مظاهر غباء الطالب أو عدم اكتراثه واهماله!! وكم كان عيبا ألا يحصل الطالب على المجموع الذى يؤهله لدخول الجامعات والمعاهد الحكومية التى كانت الدراسة فيها أيضاً مجانية وعلى أعلى مستوى من الجدية فى كل شىء، وكانت الحياة الجامعية فيها مجالا للحرية الاكاديمية وممارسة الأنشطة الطلابية عبر اتحاد طلابى منتخب وله ميزانية خاصة يسيرها أعضاء الاتحاد بأنفسهم!!

ذلك كان الشأن بالنسبة لجيل ثورة يوليو فقد كان جيلا محظوظا حيث وجد نفسه يدرس ويلعب ويعمل فى ظل دولة حانية ترعاه وتلبى كل مطالبه فكان من الطبيعى أن يبادلها حبا بحب ويبذل الغالى والنفيس لكى يدافع عنها ويحميها، ذلك كان شأن هذا الجيل الذى أحب بلده وزعيمه وانتمى إليهما فقد تشرب المواطنة والانتماء منذ نعومة أظفاره فى دولة خلصته من الاستعمار والاقطاع ويسرت له حياة المساواة والاستمتاع بكل حقوقه. ومن ثم فلا ينبغى للجيل الجديد أن يندهش من كم الانتماء الذى يربطنا بحب بلدنا العظيم مصر وبزعيمها الخالد عبر العصور: جمال عبدالناصر، ويا ليتهم يتعلموا هم أيضاً أن الانتماء والولاء لبلدهم فريضة عين واجبة على كل من ولد على أرضها وتمتع بخيراتها رغم تغير الظروف والأحوال.

[email protected]