رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات

رغم أن ما بين مهنتى الصيدلة والإعلام على أرض الواقع أو على أية أراضٍ أخرى هو ما بين المشرق والمغرب، إلا أن نتيجة الثانوية العامة وبشكل خاص هذا العام كشفت عن أن هناك روابط قوية بين المهنتين على رأسها شبح البطالة الذى يواجه خريجى كلياتهما وهو الأمر الذى تزايدت صيحته بشكل لافت ويدعو للتأمل.

وفى هذا الخصوص فقد أعاد الدكتور محمد الشيخ نقيب صيادلة القاهرة التأكيد على معاناة مصر من الزيادة فى عدد العاملين بالصيدلة، موضحاً أن عدد الخريجين من كلياتها فى مصر خمسة أضعاف المعدل العالمى داعياً أولياء الأمور لعدم التقديم لأبنائهم على كليات الصيدلة الخاصة.

على المنوال ذاته فقد تطوع بعض الكتاب والصحفيين، ربما للمرة الأولى بهذه الدرجة من الوضوح، بالدعوة إلى تحذير طلبة الثانوية العامة من الالتحاق بكليات الإعلام، مشيرين إلى سوء أوضاع الصحفيين وضيق فرص العمل المتاحة أمام الخريجين الجدد، وفى ذلك الصدد جاء مقال سيد على بجريدة الأهرام تحت عنوان «لا تدخلوا كلية الإعلام»، وإلى حد ما مقال الصديق محمد أمين بالمصرى اليوم «عاوز تدخل إعلام؟».

القصة ليست جديدة وإنما تعود إلى أعوام عديدة مضت، غير أن اللافت هو تزايد صيحتها، ما يشير إلى تفاقم سوء حالة سوق العمل مقارنة بحجم الخريجين الجدد من كلا التخصصين، وهو الأمر ذاته الذى ربما ينطبق على تخصصات أخرى وإن بمستوى أقل درامية.

فقد سبق أن قرر مجلس نقابة صيادلة مصر منذ نحو عامين مخاطبة كافة الجهات المسئولة وتوجيه خطابات رسمية بخطورة تزايد أعداد المقبولين بكليات الصيدلة عن القدرة الاستيعابية لتلك الكليات وعن حاجة سوق العمل.

وفى خطوة ربما تعكس يأس المجلس من الاستجابة لموقفه وهو ما تحقق بالفعل بعدم الالتفات لما يحذر منه فيما تلا من سنوات قرر المجلس نشر إعلان بجريدة يومية يضع فيه قيوداً على قبول خريجى الجامعات الخاصة بالنقابة. ولأن القضية تبدو ملحة فقد راح نقيب صيادلة إحدى المحافظات يطلب الكلمة فى أحد مؤتمرات الشباب ربما أولها الذى عقد فى شرم الشيخ داعياً إلى تقييد القبول بكليات الصيدلة نظراً لتزايد أعداد الخريجين بشكل يفوق طاقة السوق على استيعابهم.

على مستوى الصحافة فقد تعددت التحذيرات ذاتها السنوات الماضية من العاملين فى قطاعها والمهتمين بها وأذكر فى هذا الخصوص إن كاتب هذه السطور كتب مقالاً منذ سنوات بعنوان واضح هو «أوقفوا كليات الإعلام» أدعو فيه لتنظيم قبول الطلبة بكليات الإعلام، وتقييد افتتاح كليات جديدة.

ماذا يعنى ذلك؟ ببساطة لهذا الوضع مدلولات عديدة، أولاها أن الجهات القائمة على التعليم فى وادٍ ومخرجات التعليم فى وادٍ ثانٍ تماماً، حتى ليخيل للمرء أن تلك العملية تسير بنوع من الدفع الذاتى دون توجيه على غرار العربة الطائشة! فى تصورى أن من يقوم على التخطيط على العملية التعليمية أشبه بالطبيب الذى يقع عليه عبء تحديد وضبط الجرعة التى يتناولها المجتمع من كل تخصص.

ودون القيام على ذلك الأمر بالشكل المطلوب فإن الحالة ربما تزداد سوءاً يصل لوضع ميئوس منه.

أحياناً من فرط الإحساس باللا جدوى أتساءل هل هناك لدينا بالفعل من يتابع الأمور عن كثب؟ وإذا كان هناك بحق، فلماذا لا يقوم أمثال هؤلاء بالعمل على توجيه دفة الموقف فى السكة الصحيحة؟

من الغريب أن الأمور تسير فى الاتجاه المعاكس، ولذلك إذا تأملت كليات الجامعات الخاصة الجديدة فستجد على رأسها أو فى مقدمتها كليتا الصيدلة والإعلام، باعتبارها الأيسر والأقل كلفة فى الإنشاء وربما من الأكثر دخلاً فى الرسوم الدراسية.

كنت قد سألت متخصصاً فى التعليم عن سبب عدم إنشاء الجامعات الجديدة كليات طب فراح يفسر لى بأن ذلك استثمار ثقيل، فيما التخصصات الأخرى وعلى رأسها الصيدلة والإعلام من الاستثمارات السهلة.

تذكرت ما كتبه الروائى ماركيز فى روايته الحب فى زمن الكوليرا من وصفه للأطباء بأنهم تجار آلام، ورحت أقول بينى وبين نفسى ربما يكون الكثير من أصحاب الجامعات الخاصة تجار علم ليس إلا.. إنه «بيزنس» لا يضع مصلحة المجتمع فى اعتباره على غرار المدرس الذى يعمل على ازدهار «السنتر التعليمي» لما يؤدى إليه ذلك من زيادة دخله دون أن يضع فى اعتباره أنه بذلك يقضى على العملية التعليمية من الأساس.

كان السؤال المضاد لخواطرى تلك لو أن الأمور على ذلك النحو، فأين وزير ووزارة التعليم العالى والتى من المفترض أنها تضع مصلحة الوطن فى اعتبارها وأنه على هذا الأساس جاء إنشاؤها؟

كانت الإجابة التى جالت فى خاطرى تدفع لمزيد من انعدام الأمل، ذلك أنه إذا كان حديثنا ينصرف هنا إلى خريجى تخصصين محددين وحالة ذلك التخصصين على أرض الواقع، فربما تسير كافة قضايانا على النحو ذاته من منهج التعامل، وأن ذلك ربما يعكس وضعنا العالمى والذى على رأسه فى مجال حديثنا خروجنا من التصنيف العالمى لجودة التعليم!

[email protected]