خارج السطر
فى حكايات الماضى عظات وعبر ودروس يلزم الاستفادة بها. ولا شك أن مرور خمسين عاماً على هبوط أول إنسان على سطح القمر، هو الأمريكى نيل أرمسترونج فى 20 يوليو 1969 يدفعنا إلى زيارة الحدث للتبصر والتعلم واستخلاص الحكم والدروس لأجيالنا القادمة.
الدرس الأول هو أن تأخرك لا يعنى أبداً استحالة تفوقك. بمعنى أنك إن قررت السير خلف آخر مقلد، فيجب أن تمضى بأساليب جديدة، وهو ما سيجعلك موازياً له ثم سابقاً. فالمعروف أن غزو الفضاء بدأه الاتحاد السوفيتى فى سنة 1957 وحقق نجاحاً مذهلاً عندما وصل رائد الفضاء السوفيتى يورى جاجارين إلى هناك، ليثير الذعر فى أمريكا التى لم تكن قد دخلت ذلك المجال. وسارعت أمريكا إلى الإعداد بقوة للدخول فى المنافسة وتخطى التفوق السوفيتى فى الفضاء، وبدأت الإعداد لهبوط الإنسان على سطح القمر، ورصدت لذلك 25 مليار دولار وقتها وحشدت إمكانات وقدرات العلماء حتى فازت فى السباق بعد إثنى عشر عاماً.
ثانى الدروس هو أن فشل مَن سبقوك لا يجب أن يثنيك عن عزمك للوصول إلى حلمك. إن الناس تعرف جميعاً نيل أرمسترونج كما تعرف يورى جاجارين، لكن قبل هبوط أرمسترونج على سطح القمر كان هناك كثيرون حاولوا وفشلوا. ففى سنة 1967 أطلقت أمريكا مركبة الفضاء «أبوللو 1» إلى الفضاء وعلى متنها ثلاثة رواد لم يشتهروا، ولكن الرحلة فشلت ومات الرواد الثلاثة. وبين الأولى وهبوط أرمسترونج ذهبت عشر رحلات إلى الفضاء حتى هبط أرمسترونج بمركبة «أبوللو 11».
ثالث الدروس هو أن تحديات الأمم تستلزم إيماناً وحماساً لكسر المستحيل. لقد كان المجتمع الأمريكى منقسماً بشأن رحلات الفضاء، وكانت معظم الصحف ترفض حلم هبوط الإنسان على سطح القمر، وتتوقع فشله، لكن المؤمنين به واصلوا المُضى قُدماً فى الفكرة، رافعين شعار «كسر المستحيل ضرورة قومية».
الدرس الرابع هو لا تنحرف عن حلمك بدعوى الكلفة العالية، فمشروع اليوم رخيص مهما بلغت تكلفته، بمعنى أن تأجيل أى مشروع قومى بسبب التكلفة العالية يعنى دفنه للأبد، لأن تلك التكلفة تتزايد يوما بعد يوم. فعندما نجح «أبوللو 11» فى الهبوط على سطح القمر بلغت تكلفة المشروع 25 مليار دولار، لكن هذا المشروع يتكلف فى الوقت الحالى 150 مليار دولار. وحتى الولايات المتحدة نفسها لا يمكنها معاودة التجربة فى الوقت الحالى لذا فقد توقفت زيارات القمر تماماً سنة 1972، ولم يستطع الاتحاد السوفيتى الاستمرار نظراً لضخامة الأعباء.
أما خامس الدروس فهو أن أى مشروع قومى يحتاج لآلة إعلامية جبارة لتروج وتحفز وتوعى المجتمع وتقنع الناس، وهو ما فعلته أمريكا وقتها، وبعدها حيث أنتجت أفلامًا سينمائية حول التجربة وأنشئ متحف للفضاء لتخليد الحدث.
والله أعلى وأعلم.