رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نحو المستقبل

لقد تعرفنا فى المقال السابق على مسيرة الحياة والعطاء العلمى  للدكتور امام ، ويهمنا فى هذا المقال الكشف عن فكره وفلسفته الخاصة والتى تمحورت فى اعتقادى حول قضية القضايا فى فكرنا العربى الحديث ، القضية التى يلخصها التساؤل :ما الطريق إلى التقدم والنهوض ؟!

يرى د. امام بداية فى كتاباته الفلسفية العامة أنه لاسبيل للتقدم العلمى أو الاجتماعى أو الانسانى سوى بتربية أجيال قادرة على التفكير النقدى ومتمكنة من أدوات العقل . وقد تركز اهتمامه بعد ذلك فى مؤلفاته الابداعية على ضرورة تحقيق التقدم السياسى عبراعتناق الفكر الديموقراطى  الليبرالى وتطبيقه ، وقد تحلى د. امام فى فكره السياسى بمواقف فلسفية تتسم بالجرأة والشجاعة ؛ انظر إليه وهو يقول فى مقدمة كتابه الشهير « الطاغية » :«إن تاريخنا كله من أقدم العصور حتى الآن حكمه الطغاة على تنوع نحلهم وأشكالهم وألوانهم »، وأن ذلك هو « السبب الحقيقى ورا تخلفنا الفكرى والعلمى والاقتصادى وأنه المصدر الأساسى لكل رذائلنا الخلقية والاجتماعية والسياسية لأن المواطن إذا فقد فرديته أعنى وعيه الذاتى أو شخصيته وأصبح مدمجا مع غيره فى كتلة واحدة لا تمايز فيها كما هى الحال فى قطيع الغنم ، فقد ضاعت آدميته فى اللحظة نفسها وقتل فيه الخلق والابداع وانعدم الابتكار » . وقد كشفت صفحات هذا الكتاب بعد ذلك عن صور الطغيان والاستبداد التى عانى منها العالم وخاصة عالمنا العربى والاسلامى وانتهى فيه إلى التأكيد  على أنه لا سبيل أمامنا للتخلص من حكم الطاغية سوى الفرار منه إلى الحكم الديموقراطى والتمسك به والحرص عليه ، وقد حرص على الدفاع عن رأيه وهاجم أولئك الذين يقولون إن الشعوب المتخلفة لاتستطيع أن تحكم نفسها بنفسها حكما ديموقراطيا صحيحا وأكد على أن الديموقراطية ممارسة وأنها تجربة انسانية عامة تصحح نفسها بنفسها و لاينبغى أن نقرنها فقط بالتجارب الغربية  وأن ما يحدث فى ظلها من أخطاء يكون علاجه دائما المزيد من الديموقراطية ؛ فالشعب فى ظل الديموقراطية هو مصدر السلطات جميعا بالفعل وبالممارسة وليس فقط بالكلام والنصوص الدستورية والديموقراطية هى النظام الذى يتيح للافراد أكبر قدر من الحريات ويتمتع الناس فى ظله بالمساواة ويشعرون فعلا بما لهم من قيمة وكرامة .

وقد أوضح د. امام بأسلوبه الواضح السلس أن وسائلنا للوصول إلى الحكم الديموقراطى ثلاثة هى ؛ التربية فى المدرسة والمنزل حيث يتربى الطفل على التفكير الحر وعلى احترام الرأى والرأى الآخر ، احترام القانون وتطبيقه على الجميع دون تمييز مما يتيح ممارسة المبادئ الديموقراطية على مستوى الجماعة، وأخيرا قيام أجهزة الاعلام المختلفة بدورها فى التوعية وبث المبادئ الديموقراطية . وقد بذل د. امام جهدا اضافيا فى كتابه الضخم « الأخلاق والسياسة – دراسة فى فلسفة الحكم » للتوعية والتأكيد على نفس الأفكار فحاول أن يتلمس قواعد البناء السياسى الجيد الذى يتيح خلق الشخصية الانسانية المتكاملة للمواطن العربى فأكد على أن أول أسس وقواعد هذا البناء هو حكم الشعب لنفسه بحيث يكون هو السيد وهو مصدر كل التشريعات والسلطات ومن ثم يكون هدف البناء السياسى هو رعاية مصالح الناس  وتمكينهم من تنمية ملكاتهم وقدراتهم بحسب ما تسمح به ظروفهم وطاقاتهم ، ويترتب على ذلك  تمكين الفرد من البحث عن سعادته باختيار الطريق الذى يسلكه فى الحياة بدون أن تفرض عليه قيود تحد من اختياراته . إن البناء السياسى الجيد عند مفكرنا «هو الذى يكفل للمواطنين ممارسة حقوقهم الطبيعية : حق الحياة والحرية والتملك والمساواة والتفكير بلا عائق والتعبير عن الأفكار بشتى الوسائل الممكنة .. والنظام الوحيد الذى يكفل كل ذلك هو النظام الديموقراطى الليبرالى  واضافة صفة الليبرالى هنا حتى نبعد عن الديموقراطية اللصوص والأفاقين الذين يسرقون اللفظ ويفرغونه من مضمونه » . وقد حرص د. امام دائما على التأكيد على عدم الخلط بين الأخلاق والسياسة حيث إن لكل مجاله ومعناه ومغزاه ؛ فمجال الأخلاق سلوك الفرد وهو يخضع لضميره فى تطلعه الدائم إلى السمو والكمال ومجال السياسة يخضع سلوك الفرد إلى الجماعة من خلال القانون والتنظيم السياسى ، ورغم العلاقة بين هذين المجالين إلا أن الخلط بينهما وعدم التمييز بينهما يعد علامة لاتخطئ على التخلف . وكم كان هذا الخلط بين الأخلاق والسياسة مطية لصور استبدادية من الحكم تملأ صفحات تاريخنا القديم والوسيط والحديث عرض لها مفكرنا بالتفصيل فى مؤلفيه السابقين « الطاغية » و « الأخلاق والسياسة » ، فهل إلى تطبيق رؤية د. امام فى ضرورة الفرار من الطغيان إلى الحكم الديموقراطى الليبرالى من سبيل ونحن على مشارف العقد الثالث من القرن الحادى والعشرين ؟!