عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

خارج السطر

 

 

كان أسوأ ما قاله لنا أستاذ الآثار المصرية فى أولى محاضرة لنا بكلية الآثار قبل أكثر من ربع قرن:« ستتعلمون علما لا يفيد ولا يضر».

لم تكن المقولة فى محلها، كانت أشبه بتهريج بعيد أن يصدر من رجل علم. لا يوجد علم لا ينفع ولا يضر. العلم علم، نور، جمال، تحضر، اكتشاف، فهم، ورُقى وتقدم. العلم مطلوب ولو فى الصين، ولا يتساوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون.

أن تتصور أن الآثار المصرية القديمة مجرد أصنام لأناس كانوا مخابيل، أن تعيش نصف عمرك فى مدينة الأقصر ولا تخطو بقدميك يوما داخل البر الغربي، أن تسكن بمنطقة الأهرامات ولا تزور تلك الصروح العظيمة. أن تندهش ما الذى يدفع الغرباء لزيارة المتحف المصري، القلعة، وشارع المعز. تلك هى نتيجة طبيعية للتغييب الآثارى الذى فرض على الناس تمجيدا للجهل، حتى أن كلية الآثار لم تعد من الكليات المرغوبة لدى الطلبة، ولا يوجد حتى يومنا هذا نقابة للآثاريين.

 والمؤسف، والمؤلم للنفس أن تاريخ الدولة الرسمى لا يعكس فقط عدم الاكتراث بالآثار، لكن يعكس بقدر أكبر التفريط المتعمد فيها دون وجه حق.

فى سنة 1963 قرر جمال عبد الناصر إهداء معبد دندور إلى الولايات المتحدة تحت لافتة إنقاذه من الغرق بعد بناء السد العالي، وعلى مدى أربع سنوات تم تفكيك المعبد ونقله إلى معبد المتروبوليتان فى أمريكا.

كان السبب المباشر كما يقول زاهى حواس هو أن أمريكا دفعت 50 مليون دولار لخطة إنقاذ المعابد النوبية من الغرق، لكن تلك المنحة لا تعنى أبدا السماح بنقل المعبد خارج مصر.

وفى 1966 أهدى عبد الناصر إلى إيطاليا معبد الليسيه بالنوبة تحت نفس الدافع إنقاذه من الغرق ليتم وضعه فى متحف تورينو.

وطبقا للأستاذ هيكل فى كتابه «خريف الغضب» فإن عبد الناصر قدم إلى الاتحاد السوفيتى آنية قديمة من المرمر من مخازن سقارة، كما قدم آثار أخرى إلى المتحف الوطنى فى طوكيو، ومتحف الفاتيكان.

ورصد هيكل أن السادات تجاوز سلفه بمراحل فى إهداءات آثار مصر، ففى 1971 أهدى تمثال لأوزيريس إلى الرئيس جوزيف تيتو. وفى العام نفسه قدم تمثالًا لإيزيس إلى الرئيس السوفيتى بريجنيف، وفى نوفمبر 1973 أهدى السادات تمثالا لحورس إلى هنرى كيسنجر وزير الخارجية، ثم أهدى تمثالًا برونزيًا آخر لأوزيريس إلى الرئيس الفرنسى ديستان.

وفى سنة 1976 أهدت حرم الرئيس السادات تمثالا لأبيس إلى حرم رئيس الفلبين، كما أهدت حرم رئيس المكسيك تميمة فرعونية.

وللتاريخ، فإن عهد الرئيس مبارك لم يسجل خروجًا لأى قطعة أثرية إلى أى من ملوك ورؤساء العالم.

وهكذا، وعلى مدى تاريخنا الحديث أهدى مَن لا يملك مَن لا يستحق آثار المصريين تحت جهل، وإهمال، وعدم اكتراث الناس الذين يتم تنفيرهم فى آثار بلادهم كل يوم، تارة بزعم كونها مساخيط الكفار، وتارة أخرى بزعم أن علم الآثار علم لا ينفع ولا يضر.. والله أعلم.

[email protected]