رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ندى

مصر مليئة بالمواهب الفذة فى شتى ميادين العلم, عقول هائلة جبارة تنتج مخترعات عظيمة تسهل لنا الحياة, آلاف الشعراء والأدباء يمثلون القوة الناعمة, عشرات الرياضيين النابغين أبهروا العالم، وتوزعوا على الأندية الدولية المختلفة يضيفون إليها ويرسمون البهجة والفرحة على وجوه مشجعيها, مئات الأطباء برعوا فى مختلف التخصصات وتفوقوا على نظرائهم ونالوا استحسان الجميع, وانتزعوا شهادات التفوق من البلدان التى وفدوا إليها, العديد من المهندسين شاركوا بل أنشأوا معجزات هندسية سجلت بأسمائهم وبالتالى ارتبطت باسم مصر.

هذه أمثلة بسيطة لهذه النخبة التى تعيش بيننا, لا نحس بها, ولا نستفيد منها, وربما لا نسمع عنها إلا إذا تحدث عنها الآخرون, ورأيناها فى حفلات التكريم، عندها فقط نتذكر أنها تلك الموهبة مصرية, نشأت وترعرعت فى أرضها, ونسلط عليها الضوء قليلاً ثم نعود أدراجنا كأن شيئاً لم يكن.

هذا عن الطيور المهاجرة, فماذا عن أبناء الوطن فى الداخل، وخاصة أصحاب الفكر والإبداع عندما يجبرون على الابتعاد بسبب الظروف الصحية, فيخرجون من المشهد فى هدوء شديد.

مشهد متكرر, يُصاب الكاتب أو المبدع بانهيار شامل فى جسده بعد أن تخلى الجميع عنه، يلزم فراشه وحيدًا، يصبح معزولًا عن العالم، ينساه من يعرفه، ويتجاهله من قرأ له، ويتنكر له كل من تتلمذ على يديه، يواجه ألَم المرض وقسوته، وألم الجحود والنسيان منفردًا مجردًا من أى سلاح، يدفع ثمن الكتابة والفكر والإبداع، وكأنها جريمة يُعاقَبُ عليها صاحِبُها بأقصى أنواع العقوبة, ثم يرحل فى هدوء وتنطوى صفحته، حتى إذا تذكر أحداً بعض أعماله, أو ورد اسمه فى أحد المحافل، أقيمت سرادقات العزاء من جديد، وعقدت الندوات التى تتحدث عن مناقبه، وظهرت أعماله للنور، وطبعت عدة طبعات ليستفيد منها أصحاب دور النشر، لأنه غالبًا لا يظهر له وريث شرعى.

عندما رحل الكاتب الكولومبى جابرييل غارسيا ماركيز، قامت كولومبيا عن بكرة أبيها حزينة على وفاة صاحب «مائة عام من العزلة»، فغادر الرجل الحياة محتفى به دون عزلة، حيث خرج آلاف الناس إلى الشارع مُشيعين كاتبهم المفضل. وهنا يمكن أن يظهر بعض المتنطعين وأصحاب السخافات –وما أكثرهم– للتدليل أن كولومبيا تمتلك الإمكانات ونحن نعانى فالمقارنة ظالمة, والحقيقة أن الظلم فى فهمنا للمبدع ودوره فى المجتمع، وتأثره فى أجيال متعددة, وقيادته للرأى العام إلى آخر ذلك. فالأدب أدب، والإبداع إبداع، والإنسان إنسان، فى أى زمان ومكان، فأى كاتب أو شاعر أو فنان مرآة تعكس حقيقة مجتمعه ومآله. وتبقى مقولة ونستون تشرشل الخالدة: «إن بريطانيا على استعداد أن تضحى بجميع مستعمراتها على ألا تضحّى ببيت شعر واحد من قصائد شكسبير».

على الجانب الآخر تبقى حياة المبدعين فى مصر، الذين منحوا عصارة فكرهم وموهبتهم وحياتهم للجمال والإبداع فى شتى حقول المعرفة مهددة هامشية يعانى أصحابها من شظف العيش والعوز والأمراض، تخنقهم غصة التهميش والنسيان والإهمال، يطل عليهم شبح من رحلوا من أقرانهم، لكنهم مصرون على التواصل والخلق والعطاء، باعتبارهم عقولًا ثقافية انتقادية منتجة، تتحدى المحن والشدائد على مدى عقود.

فهل ننتظر كثيرًا على هذا الوضع المعكوس الذى يكرم الموتى ويهين الأحياء؟