رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مر على مسامعى واستقر فى ذاكرتى الكثير والكثير من روايات تحكى تفصيلاً عن وقائع فساد عدة رواها لى أشخاص شهدوا بأنفسهم وفى بيئة عملهم على عدد لا بأس به من مظاهر وأنواع الفساد المختلفة فى الجهاز الإدارى للدولة، سواء كان فساداً إدارياً أو مالياً أو حتى أخلاقياً.

وحينها كنت أنصت لهم تمام الإنصات وأستخدم كامل تركيزى معهم، وذلك لأتوصل سريعاً لواقعة الفساد التى يقصدونها بالتحديد، والكل يهول ويضخم لأقصى وصف وتقدير من وقائع الفساد التى كان شاهداً عليها أو بالأحرى التى أثرت فيه تأثيراً سلبياً مباشراً، ونتج عنها آثار كانت سبباً فى حرمانه من أحد حقوقه أو التغول عليها.

والقليل منهم من رووا لى وقائع فساد تخص المال العام أو الصالح العام والمصلحة العليا لأى مؤسسة، وذلك بغرض كشفها أو فضح أمرها وكانوا شديدى الغيرة على مصلحة بلادهم حريصين عليها، وذريعتهم الكبرى فى ذلك خوفهم على مال قد أؤتمنوا عليه أو حفاظاً على مسئوليتهم التى كلفوا بها أمام الله والوطن، وهؤلاء أقدرهم عظيم التقدير، لأن الفساد الذى يسعون لكشفه لا يمس حقوقهم بصفة شخصية، بل يمس المنظومة ككل والمال العام بشكل أوسع.

وبعدما ينتهى المتحدث أو كاشف الفساد من سرد حيثيات الواقعة موضوع النقاش فلا ينسى أن يؤكد لى أنه كان شاهداً وسميعاً لكل التفاصيل، فأطلب منه بكل هدوء ووضوح وبساطة؛ الدليل، نعم الدليل على ما يقول ومما يثبت صحة أقواله، وكالعادة تجد من يملكون الأدلة هم القلة القليلة إن قورنوا بمن يتحدثون ويحلفون ويهللون.

وإن أكد لى على امتلاكه الأدلة والبراهين القانونية المحكمة والتى تثبت صحة واقعة الفساد، أطلب منه بكل بساطة أيضاً إبلاغ الجهات الرقابية المعلنة والمختصة فى ذلك وعلى رأسهم جهاز الرقابة الإدارية والذى أوكل له القانون تلك المهمة ألا وهى تطهير المؤسسات من براثن الفساد.

ووقتها يرد علىّ من يحدثنى عن وقائع فساد فى مؤسسته أو شركته، رداً يفحم عقلى كما يمس قلبى، وهو أنه يخشى على نفسه من تبعات ذلك الأمر، يخاف من التنكيل به أو التعسف ضده من عتاولة الفساد ورجاله الكبار على رؤوس بعض المؤسسات، إن عرفوا أنه هو من قام بالإبلاغ، فيخشى أن يخسر وظيفته مصدر رزقه، أو أن يتم التعسف الإدارى ضده مثلاً فتتعرقل ترقيته أو أى حق من حقوقه الوظيفية، أو أن يتم اتهامه هو أيضاً فى وقائع الفساد تنكيلاً به وإحكام التهم ضده واصطياد شهود الزور تأكيداً لاتهامه.

وهذا أكثر ما يحزن فى هذه المعضلة، ورأيت فى ذلك أمثلة لا مجال لذكرها هنا.

فتخيلوا معى قوة مملكة الفساد والتى تنمو وتتفرعن وتتسلط، بكثرة عدد ونفوذ وسلطة من ينتمون إليها من ناحية، وبالسكوت عنها لفترات طويلة إلى أن يفتضح أمرها من ناحية أخرى.

فسرعة عقاب المفسدين وهدم المعبد عليهم جميعاً مطلب مهم جداً، لأن عنصر السرعة هنا يعرف الجميع أن الجهات الرقابية هنا معكم ترى وتسمع ولن يسمح لأحد مهما زادت نفوذه وأينما كان أن يتجاوز أو أن يخترق القانون، وحقوق الأفراد فى المنظمات والمؤسسات وحقوق المال العام للدولة المصرية لهم الكلمة العليا ضد أية مطامع شخصية أو أطماع ومآرب فردية.

أما بالنسبة للمشارك فى وقائع الفساد؛ فأرى أنهم نوعان، أولهما الفاعل الأصيل والذى يشارك فى تنفيذ واقعة الفساد تنفيذاً يعرضه للاتهام ويحوله للمساءلة القانونية بما لا يدع مجالاً للشك، أما الآخر فهو المشارك السلبى والذى شهد على الواقعة تفصيلاً ويملك من الأدلة ما يثبت صحة أقواله، ولكنه سلبى لم يبلغ، آثر عدم الإفصاح وفضل السكوت خوفاً من تبعات ما سيحدث له بعدها.

ووقتها قد لا يشعر المشارك السلبى فى الفساد بأنه مشارك بصمته وعجزه عن كشف وفضح أوجه الفساد، ولكن حقيقة هو مشارك، نعم أنت مشارك وغيرك الكثير من السلبيين مثلك.

أنت مشارك لأن صمتك على الفاسدين نتج عنه كبر حجم وتكرار فسادهم بل وتبريره أيضاً، وتصخيم معاقل الفاسدين مع الاطمئنان إلى نجاح مهمتهم بلا تعكير صفوها أو إزعاج من أحد.

ولكن! تأتى الرياح بما لا تشاء السفن، فيحدث فجأة أن ينهار المعبد على كل من فيه، وتغرق سفينة الفاسدين الكبرى ويهلك كل من فيها وتزول سطوتهم، والكل وقتها سيقفز من سفينة الشر وبعد أن كانوا جيراناً فى النهب والسرقة والرشوة، متخذين الفساد دينهم، بل وإلاههم المقدس، الآن بتهربون ويتبرؤون منه، وكأن الفساد الآن بدا لهم كامرأة سيئة السمعة باعت عرضها وتاجرت بشرفها ورخصت جسدها ولم تأبه لكل ذلك إلا حينما افتضح أمرها فحاولت كذباً أن تنقذ نفسها فادعت العفة والشرف، هرب منها الجميع بل ولعنوها وفضحوها حتى من كانوا يلهثون وراءها ويركعون تحت أقدامها ويلبون جميع مطالبها.

نعم هلك الذين طالما تجبروا وتغولوا وطغوا، هلك من أخذتهم العزة بالإثم، والفخر بالسلطة، والكبر بالجاه والسطوة.

ووقتها تجد المشارك السلبى ينتفض ويصول ويجول ويصرخ، تكلم أخيراً ذاك الذى آثر السكوت كثيراً وأصر عليه، تجده يصرخ ويقول أنا بريء، أنا لا أنتمى لهم، أنا لم أشارك معهم، أنا أرفض فسادهم، أنا نظيف اليد، طاهر الذمة وشريف الأخلاق.

لم أسرق ولم أرتش ولم أطغ على حقوق أحد، ويردد، اسمعونى، صدقوني!!!

وحقيقة هو بريء بالفعل وقد تثبت براءته مؤخراً بعد ذلك، ولكن أنت من وضعت نفسك فى دائرة الشبهات، عندما سكتت، و عندما آثرت الصمت عن كل شر؟ عندما جبنت؟

عندما رضيت على نفسك أن تحسب على هؤلاء أو أن تكون ضمن كتيبتهم؟ حتى وإن لم تشترك معهم.

سكوتك عن جرائمهم يعد موافقة ضمنية منك على كل ما فعلوه وعدم رفضك لفسادهم هو تشجيعا لهم على فساد أكبر.

أنا لا أقسو عليك كما يظن البعض ولكن تأكد أنك ستجنى حصاد سكوتك وصمتك وعجزك عن الإبلاغ عن فسادهم بعد ذلك حتى ولو كنت بريئاً.

فلا تسكت عن حق أبداً، فقد تكون أنت الأمل الوحيد عند صاحب الحق وقد يستغيث بك لإظهار حقه ولكنك بصمتك تخذله، وبسكوتك تحبطه، وبعجزك تدمر مستقبله.

وكلمة أخيرة أقولها لمن يهمه الأمر: يجب أن يتم إيجاد حلول مناسبة لمشكلة (عدم توفير الحماية للشاهد أو المُبلغ أو الخبير). ورؤيتى للقضاء على الفساد الإدارى فى (الهيئات والمؤسسات والشركات) والتى ذكرتها فى مقال سابق هى أن تكلف هيئة الرقابة الإدارية بتوفير مظلة حماية للعاملين بالجهاز الإدارى للدولة من الكيد والتنكيل بهم فى حال إبلاغهم عن قضايا فساد إدارى أو أخلاقى أو مالى داخل مؤسساتهم وتقنين ذلك الأمر، ولا أقصد هنا الحماية البوليسية أو ما شابه مما يكلف الدولة، بل أقصد الحماية الإدارية من قرارات تعسفية انتقامية تحمل التهديد والوعيد للمُبلغ عن وقائع الفساد.