عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

يظن الآباء في كثير من الأحيان أنهم يضحّون من أجل أبنائهم بالأموال التي يبعثرونها على مدرسي الدروس الخصوصية، وكأنهم يقدمون لهم أطواق النجاة لعبور أي امتحان دراسي بنجاح، ولكن هل تنفعهم حقًا في تكوين عقولهم أو ثقافتهم أو مهاراتهم المعرفية؟!
ربما لا يلتفت الكثير من الآباء إلى مسئوليتهم الكبيرة التي أقروها على أنفسهم منذ أن أنجبوا طفلًا ومهمتهم الحتمية بأن يجعلوا منه إنسانًا يعرف كيف يفكر وكيف يشعر وكيف يختار وكيف يقرر وكيف يتحمل المسئولية وكيف يدبر أموره وكيف يضع قوانين يلتزم بها، وليس مجرد كونه روح في جسد يتنفس ويأكل ويشرب ويؤدي التزامات مفروضة عليه، ويدور في حلقة مفرغة لا عائد منها.
غفل الكثير من الآباء عن هذا الدور الرئيسي في بناء إنسان وسط متطلبات الحياة وضغوط المجتمع والعادات الموروثة التي باتت تقيم مستوى الطالب طوال سنوات دراسته بدرجاته، وليس بمواهبه وقدراته ومهاراته، فلجأوا لشخص آخر يدفعون له أموالًا ليعلّم أبناءهم كيف يجتازون الامتحان ويحصلون على درجات ترفع من شأنهم - حسبما يظنون- وكأنهم يعطونهم "كبسولة النجاح".
ويبقى هؤلاء الطلاب دُمى متحركة يسلمها آباؤهم لأيادي تجار الدروس الخصوصية نظير مبلغ مادي ليعبثوا بعقولهم كيفما يشاءون، بل ربما يغتصبون عقولهم المرنة ليجعلون منها عقولًا متحجرة غير قادرة على التفكير أو وضع حلول بديلة أو حتى جلب المعلومة، عقولًا لا تعرف سوى ما يلقى عليها ملتزمة به خائفة من التعمق فيه أو التأكد من صحته.
وعندما يصل الطالب إلى المرحلة الثانوية، يصبح غنيمة بالنسبة لأباطرة الدروس الخصوصية فيدخلون في مزادات علنية على سعر الساعة الواحدة، وكلما زادت رهبة الطلاب من مادة كلما غلى ثمن الدروس الخصوصية بها، وكأن هؤلاء المدرسين يستغلون حالة الرعب لمصلحة جيوبهم الخاصة، ما يثير الشبهات حولهم في كونهم أحد أسباب تعزيز مصطلح "بعبع الثانوية" وغيره من المصطلحات المدمرة نفسيا لأنهم أكثر المنتفعين منه.
وإذا توقفنا قليلاً عند تلك المصطلحات التي تفسد نفسية الطلاب وتزرع الرعب في نفوسهم وتشعرهم أنهم مقبلون على حرب ضارية وليس مجرد امتحانات تنتهي بها مرحلة انتقالية للمرحلة الجامعية ثم الحياة العملية وسوق العمل، نجد أنها مقصودة لإرهاب الطلاب وأولياء أمورهم ودفعهم للبحث عن سبل سريعة للتحصيل الدراسي وضمان لاجتيازهم الامتحانات بنجاح، وجني الدرجات.
تلك السبل التي يلجأ إليها الطلاب شبهها البعض بأنها كالمخدرات ولكني أراها أكثر ضراوة منها؛ لأنها في ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب، فهي تجعل الإنسان انقيادي لا يستطيع الاعتماد على نفسه في التحصيل والفهم والاستيعاب، فتجعله عرضة للتطرف أو التعصب لأنه يسير وفقا لمعلومات محددة وليس منفتحًا على بحور المعرفة.
ولعل أكثر ما يعجبني في نظام الثانوية الجديد الذي دشنه الدكتور طارق شوقي وزير التربية والتعليم والتعليم الفني العام الدراسي المنصرم هو كونه يهدف إلى القضاء على الدروس من جذورها، وتعويد الطالب على الاعتماد على نفسه والفهم وعدم الانسياق لمعلومات قاصرة، بل يجعله يعتاد التفكير الحر وإظهار قدراته الإبداعية الكامنة.
كثير من طلاب الصف الأول الثانوي المطبق عليهم النظام الجديد كانوا يشتكون من الامتحانات لأنها لا تمت لمذكرات الدروس الخصوصية بصلة، ولم يروا مثلها من قبل، وكأن مقياس مستوى الامتحان أصبح وفقًا لما يقدمه المدرسون في مذكراتهم، وليس ما يستوعبونه من الكتاب المدرسي، ونسوا أن لديهم أعين يقرأون بها وعقول يتفكرون بها وقلوب يفقهون بها.
وليبقى السؤال الأكثر دهشة بالنسبة لي: ما الذي يدفع طالبًا يستطيع القراءة والاستيعاب إلى اتخاذ وسيط بينه وبين الكتاب يلقنه ما شاء من معلومات وكيفما شاء؟ ما الذي يجعل إنسانًا قواه العقلية مكتملة أن يلغي عقله ويسلّمه لشخص آخر يزرع به ما يشاء؟ من الذي زرع في عقول هؤلاء البشر أن الدروس الخصوصية هي المنجّي من خطر السقوط في الامتحان؟ من الذي يعيق هذا الطالب عن التفكير في كل ما يقرأه ويسمعه؟!
رسالة للآباء.. لا تتركوا أبناءكم فريسة سهلة لمافيا الدروس الخصوصية وتجار العلم، واكتشفوا مهاراتهم ونموها، وعلّموهم الاعتماد على أنفسهم حتى يصبحوا قادة..  وإذا أراد المدرس حقًا مصلحة طلابه فليعلمهم كيف يفكرون وكيف يبحثون عن المعلومة بشكل صحيح، وكيف يحللون القضايا ثم يحلّونها بشكل علمي، فكما يقول المثل الصيني الشهير "لا تعطني سمكة ولكن علمني كيف أصطاد".