رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

يوم الأحد الماضى، كانت ذكرى رحيل فارس الكلمة المرحوم مصطفى شردى، رئيس تحرير صحيفة الوفد منذ بدايتها إلى أن وافته المنية فى 30/6/1989. وفى ذكرى رحيل هذا الرجل العظيم، رأيت أن اسرد عليك عزيز القارئ واقعة كانت سرا بينى وبين هذا الرجل - والمرحوم فؤاد باشا سراج الدين – منذ ما يقرب من اثنين وثلاثين عاما. والآن أحسست أن من واجبى، بل أن من حق أحبائه وأصدقائه وقرائه، أن يعرفوا جانبا عن حياة هذا الرجل، وليعرف القاصى والدانى حقيقة الراحل العظيم مصطفى شردى.

مصطفى شردى – رحمة الله عليه – كان يعانى مرضا بالقلب، وظلت النوبات القلبية تنتابه على فترات، إلى أن جاءته نوبة شديدة، نصحه الأطباء على أثرها ضرورة سفره إلى أمريكا، نظرا لخطورة حالته ولعدم إمكانية علاجه فى مصر فى ذلك الوقت أوائل الثمانينيات. ونظرا لأن السفر والعلاج فى أمريكا يحتاج تكاليف باهظة ونفقات كثيرة، فكان على أعضاء ورجال الوفد أن يتعاونوا لمساندة هذا الرجل فى محنته، ولما طال الأمر دعانى المرحوم فؤاد باشا لزيارته فى منزله، وعلى الفور لبيت الدعوة وتوجهت إلى المنزل.

وفى هذه الزيارة، اطلعنى المرحوم فؤاد باشا على خطورة الحالة الصحية للراحل مصطفى شردى، وعلى ضرورة سفره للعلاج بأمريكا، ونظرا لأن فؤاد باشا يعلم جيدا العلاقة الطيبة التى كانت تربط بينى وبين أغلب رجال الدولة - فى ذلك الوقت، فقد كنت عضوا فى مجلس الشعب، وكنت آنذاك – ولله الحمد - محل ثقة واحترام الجميع، مما جعله يطلب منى التوجه إلى رئيس الوزراء المرحوم الدكتور عاطف صدقى، واطلاعه على الحالة الصحية للمرحوم مصطفى شردى، وان اطلب منه الموافقة على سفره للعلاج على نفقة الدولة.

وبالفعل توجهت على الفور للدكتور عاطف صدقى بصفته رئيسا للوزراء واطلعته على الحالة وطلبت منه الموافقة على سفر الراحل مصطفى شردى للعلاج على نفقة الدولة، الا أنه طلب منى أن امهله ساعة أو ساعتين، وقال إنه سوف يتصل بى وانصرفنا، وبعد فترة قصيرة اتصل بى تليفونيا المرحوم الدكتور عاطف صدقى يهنئنى، واخبرنى أنه قد اطلع الرئيس السابق حسنى مبارك على الأمر، وان سيادته وافق على الفور بالسفر والعلاج على نفقة الدولة، قائلا أن مرض مصطفى شردى شىء والخلاف السياسى بين الحكومة وحزب الوفد شىء أخرى.

وشكرت الدكتور عاطف صدقى رئيس الوزراء، وطلبت منه إبلاغ الرئيس السابق حسنى مبارك شكرى وشكر حزب الوفد، على هذه اللمحة الطيبة وهذا الموقف النبيل، وذهبت إلى منزل فؤاد باشا وأخبرته بما حدث، فسعد بهذا الخبر واتصل على الفور بالراحل مصطفى شردى، وطلب منه الحضور لمنزله، وعند حضوره جلسنا معا، ثم قال فؤاد باشا للمرحوم مصطفى شردى (اشكر مصطفى الطويل لأنه استطاع الحصول على موافقة من رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية لسفرك وعلاجك على نفقة الدولة). وعلى غير المتوقع، صمت الرجل لبرهة لم يظهر حينها اى علامة من علامات الفرح والسرور، ثم فجئنا برفضه القاطع لهذا الأمر.

وفى هذه الأثناء بدا على وجهى شىء من الحيرة والغضب، لما قد يسببه هذا الرفض من حرج شديد. فما كان من الراحل مصطفى شردى الا أن قام وجلس بجانبى قائلا، يا صديقى أنا لا أستطيع الموافقة على بيع كرامتى وضميرى وشرفى الصحفى حتى لو كلفنى هذا حياتى، ثم قال... أنا أفضل الموت على الحياة بمساعدة الحكومة - فى ذلك الوقت - تصور لو أن الله اطال فى عمرى وعدت إلى مصر، فكيف لى أن أهاجم الحكومة، فلا يمكننى بعد أن كتب لى عمر جديد على يد الحكومة أن اهاجمها أو اتحدث عن أخطائها، هذا الأمر لا أعتقد أن تقبله على أو على جريدة الوفد وحزب الوفد.

وبهذه الكلمات اقتنعت بوجهة نظر الراحل العظيم مصطفى شردى، ثم نظرت إلى فؤاد باشا منتظرا رأيه فى الموضوع للخروج من هذا الحرج، وبالفعل طلب فؤاد باشا أن اذهب بصحبة الراحل مصطفى شردى للدكتور عاطف صدقى، وأن نقدم له الشكر الجزيل على موافقته على السفر، ثم أترك مصطفى شردى يوضح لرئيس الوزراء أن أعضاء الحزب استطاعوا جمع الأموال المطلوبة، وأن من الواجب عليه أن يترك فرصة العلاج على نفقة الدولة لمن هو أولى منه. وبالفعل تقبل رئيس الوزراء هذا العذر وانصرفنا.

هذا هو فارس الصحافة الرجل الوطنى بحق مصطفى شردى، الذى رفض أن يبيع قلمه الصحفى حتى لو كلفه ذلك حياته، لقد فضل الموت فى مصر بدلا من العلاج على نفقة الدولة ويعود كسيحا لا يستطيع أن ينتقد الحكومة فى تصرفاتها. هذا هو مصطفى شردى الذى عرفته، فكان أخا وصديقا لى. تحية لروح ابن من أبناء مصر العظام، فمصر التى أنجبت مصطفى شردى قادرة على أن تنجب المئات من أمثال هذا الراحل العظيم.

وتحيا مصر.