رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

خارج السطر

 

مُرتزقة بألف سحنة ولون يتجولون نهارا فى شوارع القاهرة. تكتسى وجوههم بالقسوة، وتمتليء عيونهم بالغل والكراهية، وعلى أكتافهم تسترخى بنادق آلية، تتلامس مع نجوم ونياشين لا يعرف أحد مغزاها. من أين جاءوا؟ يسأل الناس ليجيبوا : «لا نعلم»، لكنهم يبثون الفزع فى العامة، يسوسونهم بقسوة، وينظرون إلى المصريين باعتبارهم عبيدًا ليس من حقهم سوى الطاعة.

مُجمعات الاستهلاك صارت مخازن أسلحة، وخدمة الكهرباء تقتصر على قصور بعينها من بينها قصر الرئاسة. لا صحف تصدر، ولا فضائيات تبث، ولا أحد يخرج من بيته بعد الساعة السادسة مساء. المرضى فقط، هُم المسموح لهم بالتواجد، إلى جوار بعض المستشفيات مكدسين بالآلاف ينتظرون أدوارهم للدخول لتلقى أى مُسكن.

بعض المُدن المصرية قُسمت بين تنظيمات وميليشيات غريبة، تتنوع أسماؤها، وتتفق جميعا فى الهيئة،بأجساد فارعة ووجوه قاسية وعيون مفزعة ولحى وشعر كث. الأمن مفقود إلا فى المدن الكبرى ولا يمر يوم دون تفجيرات بين تنظيم وتنظيم آخر. مشاهد الجنازات مؤلمة لكنها صارت طبيعية مع اعتياد الناس لها هنا وهناك.

هُدمت الكنائس، وسُمح لكثير من العائلات المسيحية بالمغادرة. حولت دور السينما والمسارح إلى مخازن متفجرات وعتاد، وأعيد تنظيم قصور الثقافة لتصبح كتاتيب لتعليم النشء الصغير فنون الكراهية وكيفية استحلال الآخر وطاعة الأمراء. أما مراكز الشباب فصارت معسكرات للتدريب على حمل السلاح، وأصبح كل مركز يخص التنظيم الحاكم له. مُنعت كافة النساء من العمل، أخرجن من الخدمة، حتى أولئك اللاتى يعولن أبناء وليس لديهن دخل، تم تزويجهن لمقاتلين غرباء. اشتغل كثير من الأدباء والصحافيين كتبة فى الطرقات ليكتبوا لأصحاب الحاجات عرائض للعرض على أمير كل منطقة لترقيق قلبه لإغاثة المرضى والمقهورين.

توقفت الدراسة فى الجامعات العامة والخاصة، أغلقت المدارس الأجنبية، وتم نسف مسجد الأزهر باعتباره مسجد ضرار. كما تم تدمير معظم المعابد الفرعونية، وأخرجت مقتنيات المتاحف ووزعت على الجند، وبيعت معظمها لهواة أجانب قدموا خصيصا للشراء بأدنى الأسعار. توقف الدورى العام، حُظرت المباريات إلا فى بعض الشوارع والحوارى بعد استئذان كومندات الأحياء.

تغيرت خارطة مصر الفعلية بعد تأجير سيناء لمجموعات من المقاتلين، والتنازل عن حلايب للسودان، والتنازل عن مطروح وجانب من الصحراء الغربية لتنظيمات ليبية شقيقة. تم حل القوات المسلحة المصرية بعد إعدام مئات الضباط والقادة دون محاكمات. أما جهاز الشرطة فقد أعفى بالكامل وتحول مجرمون وسفاحون غرباء إلى رجال أمن ووزعت الشوارع فيما بينهم.

غادر البلاد كُل من لديه أموال. البعض باعوا ما يمتلكون للهجرة إلى بلاد أوروبا، وهناك ملايين لم يجدوا أموالا فغادروا جماعات بلا مقصد أو هدف باحثين عن أى لجوء فى أى بلد يقبل بهم. وقدرت الدراسات اللاجئين المصريين بـثلاثين مليون شخص، ما اعتبر أكبر دولة فى تاريخ العالم مصدرا لإخراج لاجئين.

عادت مصر ثلاثمائة عام إلى الخلف، حيث المماليك يتناوبون الحكم. لا علم ولا تنمية ولا تحضر. الموت زائر دائم، والأخلاق منعدمة، والحياة فصل من فصول الجحيم.

ذلك ما كان مفترضا أن يكون لو لم تقُم 30 يونيو.

والله أعلم.

[email protected]