رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نحو المستقبل

من المعروف أن الشيخ الإمام محمد عبده المتوفى 1905م من المجددين والإصلاحيين الكبار فى فكرنا العربى والإسلامى المعاصر، وهو صاحب موقف فلسفى عقلانى لم يتزحزح عنه منذ حداثة سنه بدا بوضوح من تمرده على الطريقة التقليدية للدراسات الأزهرية الدينية التى وجدها فى المسجد الأحمدى بطنطا فى مطلع شبابه وحتى مطالبته الدؤوبة بتطوير مناهج الدراسة فى الأزهر الشريف فى أواخر حياته وجرأته الشديدة فى فتاواه الدينية والتعبير عن آرائه الاصلاحية فى مجالات التعليم والسياسة المدنية ما جعل الخديو يبعده عن منصب شيخ الأزهر، رغم أنه كان الأحق به ويكتفى بتعيينه مفتياً للديار المصرية فكأن هذا المنصب قد استحدث له لذاك السبب! فكان أيضاً ما كان من فتاواه ذات الطبيعة الثورية التى لم يكن يخشى فيها لومة لائم التى أقامت عليه ثورة الأزهريين التقليديين فأخذوا يهاجمونه ويحيكون المؤامرات ضده حتى استقال من منصب المفتى ومن مجلس إدارة الأزهر نفسه وفضل أن يقضى بقية حياته التى لم تستمر بعد ذلك إلا شهوراً قليلة فى منزله.

وقد كشف الإمام الفيلسوف عما استهدفه فى رسالته الفكرية فى ثلاث نقاط محددة؛ أولها تحرير الفكر من قيد التقليد وفهم الدين على أساس العودة إلى ينابيعه الأولى قبل ظهور الخلافات، وثانياً إصلاح أساليب اللغة العربية وضرورة استخدامها فى كل ما يخص المخاطبات وحياة الناس اليومية، وثالثا التمييز بين ما للحكومة من حق الطاعة على الشعب وما للشعب من حق العدالة على الحكومة.

وبعيداً عن منهجه العقلى فى الإصلاح الدينى وما حققه فيه من نجاح كتب فيه وعنه كثيراً، فقد أبهرنى الإمام بآرائه فى مجال الأخلاق الاجتماعية وربطه بين الصلاح الأخلاقى والتقدم العلمى والاقتصادى للأمم، وربطه بين هذا وذاك وبين التقدم الحضارى للأمم والشعوب. لقد كان جل اهتمام محمد عبده بعد الإصلاح الدينى اصلاح الأحوال الاجتماعية والسياسية، وقد فطن إلى أن إصلاح الأخيرين لا يكون إلا بداية من الإصلاح الأخلاقى، وقد أقام رؤيته للإصلاح الأخلاقى على مبدأ الجمع بين العلم والعمل؛ إذ من شأن إصلاح الأخلاق إصلاح النفوس والضمائر وإذا ما صلحت النفوس والضمائر صلحت العلاقات الاجتماعية بين الناس.

إن أهم الأسس التى يجب أن تقوم عليها العلاقات الاجتماعية بين الناس والتى تحقق الترابط والتضامن بينهم هى المحبة إذ من شأنها أن تشعر كل نفس أن بقاءها مرتبط ببقاء الكل، والكل منها بمنزلة بعض قواها المسخرة لمنافعها ودرء معناها فالمحبة عماد السلم ورسول السكينة إلى القلوب وهى الدافع لكل المتحابين على العمل لمصلحة الآخر إن من شأن المحبة أن تكون حفاظاً لنظام الأمم وروحها لبقائها.

إن سيادة الفضيلة والأخلاق بين الناس فى نظره هى ما يزيد شعور الفرد بانتمائه إلى الجماعة ويجعله يبذل ما فى وسعه لزيادة وتحقيق السعادة والخير للجميع ؛ يقول الإمام : «إن الاتحاد ثمرة ذات فروع وأوراق وجذور هى الأخلاق الفاضلة وبغير المحبة لا تقوم للأخلاق قائمة فيجب أن تكون التربية الجديدة تربية غيرية مستنيرة بالمعنى الصحيح؛ فالعلم الحقيقى هو الذى يعلم الإنسان من هو ومن معه، فيتكون من ذلك شعور واحد وروابط واحدة هى ما يسمونه بالاتحاد. إنه يرى ببساطة أن تقدم الأمم ورقيها إنما يقوم على أساسين هما: العلم والأخلاق. وهو يؤكد ذلك قائلاً : «وهذان الأساسان الجليلان متلازمان فى عالم الوجود متى سبق أحدهما إلى بلاد تبعه الآخر على الأثر، ومتى فارق واحد منهما جهة تعلق الثانى بغباره، فلا يكاد يرفع قدمه أو يضعها إلا وصاحبه يرافقه، بهذا ينبئنا التاريخ وتحدثنا سير الدول التى ارتفع بها منار العدل أو بزغت فيها شموس العلم كيف تمتعت بالنورين وطارت إلى أوج السعادة بهذين الجناحين».

 وبالطبع فإن الأمم لا ترتقى وتتقدم إلا عبر وجود نظام سياسى يؤسس لعلاقة جيدة بين الحكام والمحكومين ويفتح المجال أمام الجميع للإسهام فى تقدم الأمة. ولذلك فقد كان ضمن اهتمامات محمد عبده للإصلاح السياسى. وقد قال عن ضرورة هذه العلاقة بين الحاكم والمحكومين «إن حاجة الرعية للحاكم لا تقل أبداً عن حاجته إليهم، وإذا كانت الرعية بمثابة الآلة للحاكم فى تنفيذ مشاريعه فهى ليست آلة صماء بل إنها ذات إرادة وشعور وحين يختل الشعور وتفسد الإرادة فلا فائدة من إصدار القوانين والأحكام».

ولقد استخدم محمد عبده أسلوب التدرج فى تطبيق منهجه الإصلاحى السياسى حتى تكون الحياة السياسية متلائمة مع طبيعة المجتمع وتستمد قوانينها من مبادئ الشورى والعدالة والمساواة وخاصة عند استخدام السلطة والقانون.

وقد أكد محمد عبده ذلك فى مذكراته حينما اعتبر أنه كان معنياً فى حياته بأنه كان من دعاة التمييز بين ما للحكومة من حق الطاعة على الشعب، وما للشعب من حق العدالة على الحكومة، إنه كان ممن دعوا الأمة المصرية إلى معرفة حقها على حاكمها، فإن وجبت عليهم طاعته فهو من البشر الذين يخطئون وتغلبهم شهواتهم وأنه لا يرده عن خطئه ولا يقف ضد طغيان شهوته إلا نصح الأمة له بالقول. وهو يعترف بأنه قد أصاب بعض النجاح فى ذلك وأنه أخفق فى كثير مما وجه إليه عزيمته من أمور.

[email protected]