عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات

لا أشك لحظة فى أن أى مواطن يتمنى تقدم هذا البلد وازدهاره لا يشعر بالفرحة الغامرة لأى خبر عن بناء مدينة جديدة فى ضوء حقيقة أن مصر ضاقت بسكانها، ولم يعد هناك مجال لاحتمالهم على الحيز العمرانى الضيق الذى لا يتجاوز 7%. فما بالك وإذا كانت الخطة المرسومة هى مضاعفة هذه المساحة، بل وبناء 14 مدينة جديدة ذكية تسهم فى خلخلة الكثافة السكانية بالوادى وما يحيطه من تكتلات عمرانية.

أتصور أن الفرحة ستملأ قلبك وستشعر حينها بالجهد الجبار الذى يبذل من أجل حل واحدة من كبرى المشاكل التى تواجهها مصر وهى التكدس السكاني. صحيح أنه قد لا يهمنا ما إذا كانت هذه المدن ذكية أم غبية، ولكن يهمنا أن تنجح فى جذب السكان إليها تحقيقا للهدف الذى أنشئت من أجله.

قد تبدو هذه المقدمة طويلة، ولكنها مبررة للوصول إلى الهدف الذى أكتب من أجله هذه السطور، وهو الدعوة لوقفة مع النفس بشأن البرنامج الطموح غير التقليدى لتوسيع رقعة مصر العمرانية.

كنت قد كتبت العام الماضى عن مدينة العلمين الجديدة وكيف أنها يمكن أن تغير وجه الساحل الشمالي. غير أنى للإنصاف لم أكن أتصور أن يصل معدل الإنجاز إلى المستوى الذى يشير الواقع إلى تحققه.. يكفينى شهادة ابنى ذى الأربعة عشر عاما والذى زار الساحل مؤخرا خلال عيد الفطر وقوله: «طريق العلمين اتغير خالص يا بابا حاجة كده تفرح». غير أن ما يفرح أكثر ذلك النبأ الذى أعلنه المتحدث باسم مجلس الوزراء عن استضافة مدينة العلمين الجديدة أول اجتماع لمجلس الوزراء خلال شهر يوليو المقبل، ولتكون تلك الخطوة حسب رؤية رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولى بداية انطلاق هذه المدينة لتأخذ وضعها كإحدى المدن المخططة علميا.

أقول هذا وفى ذهنى ذلك التباين والاختلاف حول أولويات التنمية فى مصر، وهو اختلاف صحى ومشروع ويجب ألا يزعج أحدا أو يشعر أى طرف بالقلق منه، حيث يحظى تركيز الدولة فى هذه الفترة على التوسع فى المدن الجديدة بتحفظ من قبل البعض باعتبار أن الاهتمام الأساسى يجب أن ينصب على مجالات أخرى مثل التصنيع والتعليم والصحة وخلافه. وهى رؤية ربما - وأقول ربما - من قبيل عدم الحسم يشوبها قدر من القصور باعتبار أن التنمية يجب أن تمضى فى مسارات متوازية دون إغفال جانب على آخر.

فى جولة ليلية منذ أيام طفت بالقاهرة من غربها إلى شرقها عاودنى الشعور بوطأة التكدس فى الحيز العمرانى الضيق فى تلك المدينة، والتى يتجاوز عدد سكانها مجموعة دول بأكملها. ولعله من هنا تأتى فلسفة التوسع التى تقوم بها الدولة حاليا من خلال إنشاء عاصمة بديلة إدارية تمتص جانبا من تلك الكثافة وكذا إنشاء ما يمكن اعتباره عاصمة ساحلية بديلة للإسكندرية.

أتفق مع البعض بشأن تحفظات ترد هنا أو هناك بشأن نمط الإسكان أو تكلفته العالية التى تأتى على خلفية ما قد يرونه غير مطلوب فى المرحلة الحالية على شاكلة أبراج العلمين، لكن هذا يمكن اعتباره عرضا جانبيا لعلاج أشمل من المؤكد أنه سيسهم لو نجح فى إحياء الساحل الشمالى بأكمله من الإسكندرية إلى مطروح بطول أكثر من 300 كيلو متر، ليتحول إلى كتلة عمرانية على مدار العام كله وليس خلال شهور الصيف فقط. ولعله من المفيد هنا مثلا الإشارة إلى أنه من المخطط أن يقام بالمدينة 3 جامعات جديدة وأنه من المتوقع افتتاح 4 كليات خلال شهر سبتمبر المقبل، فضلا عن جامعة سويسرية على مساحة 40 فدانا.

الأمانة تقتضى الإشارة إلى أن الصورة ليست وردية تماما وأن هناك بعض الملاحظات التى يجب طرحها على مائدة تقييم ما يتم من أجل أن نصل إلى الكمال فى استغلال الجهود المبذولة للخروج من الوادى الضيق واستثمار كل قرش ينفق على هذه المهمة. وفى هذا الصدد أشير إلى ما نشرته جريدة الأهرام منذ فترة عن أن مدينة مثل سوهاج الجديدة التى تقدر مساحتها بنحو 30 ألف فدان لا يسكنها سوى 500 أسرة رغم أن إجمالى ما تم إنفاقه عليها يصل إلى 2.4 مليار جنيه، وأن شقيقتها أسوان الجديدة والتى تقدر مساحتها بـ 23 ألف فدان ووصل حجم ما أنفق عليها مليارى جنيه لا يسكنها حتى الآن سوى مائة أسرة. اذا وضعنا ذلك فى الاعتبار أدركنا أنه يجب إيلاء المزيد من الاهتمام بهذه المهمة لكى لا تخرج على مسارها المرسوم.

ولعل ما يطمئن بعض الشىء فى ظل حقيقة أننا نتحدث عن مشروعات أصبحت قائمة على أرض الواقع، الحرص الزائد من قبل الدولة على إنجاز تلك المشروعات. ولعل فى تصريح الدكتور مدبولى بتخصيص زيارات شهرية لمتابعة سير العمل فى العاصمة الإدارية، فضلا عن حجم الإنجاز سواء فى العلمين أو غيرها ما يشير إلى أننا إزاء رؤية مختلفة للمهمة الأصعب أمام مصر والمتعلقة بإنجاز حقيقى لهدف الخروج إلى الصحراء.. وأظن أنه هدف لا يختلف عليه اثنان!

[email protected]