رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

(نحو المستقبل)

يعد د. عزت قرني الذي رحل عن دنيانا الفانية فى السابع عشر من شهر يونيو الحالى واحدا من أهم المفكرين المصريين الذين يمثلون جيل الوسط فى الفكر المصري الحديث؛ فقد ولد فى 15 يناير 1940م وتخرج فى قسم الفلسفة بجامعة القاهرة بمرتبة الشرف الثانية عام 1960 م، لكنه عين معيدا بكلية الآداب – جامعة عين شمس ومنها حصل على بعثته الدراسية للحصول على درجة الدكتوراه فى الفلسفة اليونانية من جامعة السربون بفرنسا، وقد حصل على دكتوراه الدولة منها بمرتبة الشرف الأولى عام 1972م، وعاد ليتسلم عمله كمدرس للفلسفة بآداب عين شمس وتدرج فى وظائفه الجامعية حتى حصل على درجة الاستاذية عام 1983م، ورأس القسم بين عامي 1985و 1987م،وقد أعير قبل ذلك إلى جامعة صنعاء باليمن بين عامي 1982 و1984م كما سافر كأستاذ زائر بجامعة الامارات العربية المتحدة لمدة فصل دراسي عام 1985م. وقد سافر بعد ذلك إلى الكويت للعمل بجامعتها وامتد عمله فيها لمدة طويلة، حيث لم يعد من الكويت إلا منذ سنوات قليلة وقد توفر له من خلال عمله بالكويت زيارة والعمل كأستاذ زائر بجامعات باريس وأمريكا بجامعة يوتا وجامعة كليرمونت بلوس أنجلوس. ورغم هذه السنوات الطوال التى قضاها بعيدا عن مصر إلا أنه لم تنقطع صلته ببلده وبتلاميذه ونشر جل انتاجه العلمي بمصر.

والناظر فى قائمة مؤلفاته يجد أنها توزعت بين التأليف والترجمة وجاءت معظم مؤلفاته ومترجماته فى مجال تخصصه الدقيق فى الفلسفة اليونانية وقد ساعدته اجادته للغات الفرنسية والانجليزية والألمانية فضلا عن اللغة اليونانية القديمة ومبادئ اللغات اللاتينية والايطالية والاسبانية فى تقديم انتاجه العلمي الغزير فى مجال التخصص. وبعيدا عن مؤلفاته ومترجماته التخصصية فى الفلسفة اليونانية تتضمن القائمة أعمالا فكرية تكشف الاهتمام الحقيقي لمفكرنا وقد دارت معظمها حول الفكر المصري وتراثه القديم والحديث؛ مثل الفلسفة المصرية – شروط التأسيس الذي تبعه بثلاثة مؤلفات فى سلسلة أطلق عليها انشاء الفلسفة المصرية هي تأسيس الحرية، طبيعة الحرية، الذات والاعتقاد ونظرية الفعل. وكتب فى نفس سياق اهتمامه بالفكر المصري مستقبل الفلسفة فى مصر وفى الفكر المصري الحديث – محاولات فى اعادة التفسير. ومن الخاص إلى العام انتقل د. عزت بكتاباته إلى آفاق الفلسفة العالمية قاصدا المساهمة فى اثراء الحوار العالمي حول قضايا الانسان بما هو كذلك، فكتب التكوين الانساني والظواهر الكبرى، غايات الانسان وفكرة الخير، نظرية الشر، أصول الأخلاق. وقد وعد قارئه بكتابين آخرين ظهرا مؤخرا هما نظرية الجمال والجميل، أصول الفن.

وربما يهمنا فى هذه العجالة التوقف عند رؤيته لتاريخ الفكر المصري الحديث ومحاولته الدؤوبة لقراءته قراءة نقدية تميزت بها كتاباته عن كل الكتابات الأخرى فى نفس المجال، إذ يتعجب د. عزت من أنه لا يوجد حتى اليوم تاريخ كامل للفكر المصري الحديث وفى اطار ذلك يرى أنه رغم «أننا أمة واعية، لكن وعينا «بائس» لأننا نعرف ولا نفعل ولأننا نبدأ ولا نكمل «وقد علل هذا البؤس وعدم وجود هذا التاريخ الكامل بأن عقلنا الجمعي لا يدرك مدى خصوصية الفكر وتفرده عن نشاطات الذهن الأخرى ويرجعه كذلك إلى طغيان نموذج الكتابة الصحفية قصيرة النفس فاقدة العمق، فضلا عن شيوع التصور الزائف بأن كل شىء فى تاريخنا واضح ومعروف فلا حاجة إلى عرض شامل لتاريخ الفكر، فمن هو عبد الله النديم؟ هو خطيب الثورة العرابية، ومن هو محمد عبده؟ هو الشيخ الإمام، ومن هو قاسم أمين؟ هو محرر المرأة وكفى، ومن هو أحمد لطفى السيد؟ هو فيلسوف الجيل وكفى!!

وقد برع مفكرنا الراحل فى تحليل العوائق الانفعالية التى تعوق تقديم هذا التاريخ الشامل لفكرنا الحديث حيث أشار إلى أهم أربعة منها هى الميل إلى التهليل أو التحقير أي الميل إلى التفخيم أو التحامل الزائد، إدخال التوجهات الأيدولوجية فى الدراسة والحكم، الخلط بين روح العلم وروح الرأي، والاتجاه نحو فرض طريق واحد بعينه من طرق البحث. وبالطبع فإذا تنبهنا إلى هذه العوائق الشعورية والانفعالية وابتعدنا عن ادعاء الوضوح وأعدنا قراءة نصوص مفكرينا المحدثين بعمق وبموضوعية وفى ضوء الظروف والعوامل المختلفة التى أثرت عليهم سنعرف التاريخ الحقيقي الشامل لفكرنا الحديث ومن ثم يتولد لدينا الوعي الحقيقي وليس «البائس» به مما يجعلنا على الطريق الصحيح لفهم هويتنا ومعرفة من نكون وكيف الطريق إلى تحقيق نهضة حديثة تنقلنا لمصاف الأمم المتقدمة. والحقيقة إن د. عزت قد أوضح فى مؤلفاته السابق الاشارة إليها وغيرها الكثير من أسس هذه النهضة المنشودة التى قد يتسع المقام لعرضها فى مقالات أخرى. رحم الله مفكرنا الجليل ونفعنا بآثاره الفكرية الرائدة.

[email protected]