رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات

على مدار عمرى ومنذ أن تفتح وعيى على الدنيا تولى حكم الولايات المتحدة نحو 8 رؤساء بدءا من نيكسون مرورا بفورد ثم كارتر، ثم بوش الأب، ثم كلينتون، ثم بوش الابن، ثم أوباما ثم أخيرا ترامب. ولا أظن – وليس كل الظن إثمًا – أن رئيسًا من هؤلاء حظى بكل هذا الجدل حول حكمه مثل ما حظى به ترامب. صحيح أن فضيحة نيكسون – ووتر جيت - كانت مدوية ولكنها لم تكن تعبير عن سلوك يعبر عن ديدن حكم، وصحيح أن كلينتون واجه محاولة العزل على خلفية فضيحته مع مونيكا لوينسكى ولكن الأمر أيضا بقى فى إطار كونه حدثا عارضا.

فى تقديرى أن الرئيس الأمريكى ترامب يبقى نسيج وحده من بين الرؤساء الأمريكيين الذى أثار كل هذا القدر من اللغط سواء بشأن أسلوبه فى الحكم داخليا وخارجيا أو حتى بشأن شخصيته ومنهجه فى النظر للأمور.

على مستواى الشخصى، وأرجو ألا أكون مبالغا، يمثل ترامب بالنسبة لى ظاهرة هزت إيمانى بالديمقراطية ولذلك فقد رحت أتقصى هذه العملية السياسية التى تمثل درة تاج أى نظام حكم فى القرن العشرين لكشف واكتشاف عيوبها، وأظن أننى قدمت الكثير من الجوانب التى تصلح أن تقدم كعيوب للنظام الديمقراطى، وكله من وحى حكم ترامب!! غير أنه للإنصاف والموضوعية دون أن يكون فى موقفى أى تناقض، فإنه يبدو أن تلك الديمقراطية تصحح نفسها بنفسها، وهذه ميزة ذاتية فى تلك العملية ربما تفسر جاذبيتها حتى الآن، وهو ما يبدو فى التطورات والأحداث التى تحاول أن تتجاوز حدث فوز ترامب وتعيد توجيه مسار الأحداث فى الولايات المتحدة إلى سابق عهدها قبل توليه سدة الحكم.

عندما أسرح بخاطرى فيما جرى من الرئيس الأمريكى ترامب على مدى فترة حكمه المحدودة حتى الآن، أقول بينى وبين نفسى إنه من الظلم البيّن له أن نعتبره مجرد إنسان، أو حتى رئيسًا أمريكيًا، إنه يتجاوز ذلك بكثير، إنه نموذج، إنه فى سلوكياته أسلوب حياة أو.. «لايف ستايل».. إنه لمن قرأ عن نظرية المثل لدى أفلاطون المثال الذى توجد نسخ منه فى الواقع تتطابق معه.

ولذلك لا ألوم نفسى حين ينتابنى شعور بأننى شطح بى الخيال لدرجة تصور أن ترامب ليس فقط هو ذلك الشخص القابع هناك فى البيت الأبيض، وإنما يوجد أيضا فى بيتنا.. صحيح.. ليس فى الأمر مزحة وإنما هو حقيقى.. ففى بيتنا ترامب فعلا ليس بشحمه ولحمه وإنما بأخلاقه وسلوكه ونظرته للحياة وفلسفته فى التعامل مع الآخرين، حتى أنه قد لا يكون هناك تجاوز للحقيقة إذا قلنا إن هناك من يمكن وصفه بأنه ذو «شخصية ترامبية».

 ومن ملامح هذه الشخصية الصراحة المبالغ فيها التى تصل لحد الفجاجة، التى تخلو فى كثير من الأحيان من الدبلوماسية. التلويح بالقوة كوسيلة لترهيب الخصم ومحاولة إثنائه عن مواقفه غير المرغوبة، غرابة الأطوار والإتيان بتوليفة غريبة من السلوكيات غير المتوقعة، كسر قواعد البروتوكول دون وجل، التعامل مع الغير باعتبار أن العالم ليس سوى متجر كبير لا يحكمه سوى سلوك التاجر الذى يبحث ليس فقط عن الربح وإنما تعظيم ربحه. فضلا عن الاضطراب فى القول فى كثير من الأحيان بحيث يصعب على المرء تحديد اتجاه صاحب هذا القول أو نياته.

على خلفية هذا التوصيف فإن ترامب الذى فى بيتنا لا يشعر بأى تأنيب ضمير فى أن يوقظك من نومك فى أى وقت من أوقات الليل مثلا، إذا واجه موقفا يتطلب ذلك دون أن يأبه بما إذا كان ذلك قد يزعجك أم لا؟ هدية ترامب الذى فى بيتنا ليست هدية وإنما هى عربون عمل، إنها «بيزنس» لا بد أن يعقبها ما يعقبها من رد.

ترامب الذى فى بيتنا أو حتى بيتك قد يلتقيك دون أن يلقى عليك السلام ليس لوجود خصام بينه وبينك ولكن لأنه هكذا مرة يأخذك بالأحضان ومرة يتجاهلك كأنك هواء!

 لكن ميزة مثل هذه الشخصيات، ترامبى وترامبك، أنها بقيت فى الظل، بحكم أنها النسخ المقلدة لنموذج أو مثال أصلى دون أن يشعر بها أحد، إلى أن جاء ترامب الحقيقى حيث تخضع كل شاردة وواردة له لتسليط الضوء. وإذا كان الاستعمار يعرف بأنه أعلى مراحل الرأسمالية، فإن البراجماتية أعلى مراحل «الترامبية».

السؤال الذى يفرض نفسه: هل لـ «الترامبية» مستقبل؟ أعتقد أن المجتمع الأمريكى يراجع نفسه، وأتصور أن نانسى بيلوسى رئيس مجلس النواب الأمريكى عندما تحدثت عن رغبتها فى أن ترى ترامب مسجونا لا معزولا لم تكن تعبر عن نفسها فقط وإنما عن رغبة كامنة لدى قطاع غير محدود لدى الأمريكيين. ولذلك وبغض النظر عن نتائج سياسات ترامب على الواقع الأمريكى، ومهما بلغت إيجابياتها، فإن ذلك لن يشفع له أمام الناخب الأمريكى، باعتبار أن المسألة تجاوزت النتائج الإيجابية لنظام الحكم إلى قضية أخرى وهى الاتساق مع النمط الطبيعى للسلوك الإنسانى، فترامب، فى نظر الكثير من الأمريكيين، ربما يجرهم ويجر مجتمعهم إلى منحى آخر يتجاوز «فطرة الله التى فطر الله الناس عليها».. ولا أعتقد أن ذلك موضع ترحيب من الأمريكيين الذين يرغبون فى أن يظل نموذجهم.. النموذج الأمريكى.. موضع إلهام العالم!

[email protected]