عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

يمكن القول إن ظاهرة الفساد تتسم بالعمومية بمعنى أنها تتواجد في دول ومجتمعات مختلفة،  وذات  نظم حكم مختلفة، وفي مراحل متباينة من مراحل النمو الاقتصادي والسياسي، ويعكس ذلك أن الفساد ظاهرة  إنسانية أي ترتبط بالإنسان مما يجعلها تتسم بالعمومية، وإن كانت هناك عوامل متعددة اجتماعية وسياسية وثقافية وتشريعية تسهم في كبح جماح الفساد والحيلولة دون انتشاره داخل المجتمع في بعض الأحيان، أو تسهل وجوده وتأثيره بحيث يصبح الفساد في بعض الحالات أقرب إلى كونه ظاهرة طبيعية ومتقبلة، ويترتب على ذلك أن الفارق بين مجتمع وآخر لا يتمثل في وجود الفساد أو عدم وجوده، فهو يمكن أن يتواجد في جميع الحالات، بل يتمثل الفارق بين المجتمعات في هذا المجال في درجة وجود وانتشار الفساد من جانب، ومدى القدرة على مكافحة الفساد في حالة ظهوره من جانب آخر، ويمكن الإشارة في هذا الإطار إلى الملاحظات الآتية:

أولا: تعدد أشكال ومستويات الفساد، وبعبارة أخرى فإن الفساد ليس له صورة واحدة، بل يمكن التمييز بين صور وأشكال متعددة للفساد، فهناك ما يطلق عليه المستويات العليا للفساد، وهناك الفساد في المستويات المتوسطة، إضافة إلى الفساد في المستويات الدنيا، ويمكن التمييز بين الفساد الإداري، أي الفساد على مستوى الجهاز البيروقراطي للدولة وفساد الموظفين، بالإضافة إلى فساد المؤسسات مثل الأحزاب السياسية أو البرلمان وغيرهما، وكلما تعددت وتضافرت أشكال الفساد وتزامنت من حيث الوجود فإنها تؤدي إلى تعمق الظاهرة، وأن يصبح الفساد أقرب إلى كونه ظاهرة طبيعية بدلا من كونه ظاهرة استثنائية.

ثانيا: أثر الفساد على التنمية، يؤثر الفساد تأثيرا سلبيا على عملية التنمية بمعناها الشامل، حيث لا يوجد ما يضمن أن تكون القرارات المتخذة في مجال التنمية في بعض الحالات هي الأكثر مناسبة أو الأكثر تحقيقا للمصلحة العامة، بل قد يتم اتخاذ بعض القرارات أحيانا استجابة للفساد كما قد تتخذ بعض القرارات التي لا تتناسب مع المصلحة العامة (بيع سلعة وتصديرها للخارج بأقل من الأسعار العالمية على سبيل المثال) يضاف إلى ذلك أن جزءا كبيرا من الموارد التي كان يفترض تخصيصها لأغراض التنمية يتم اقتطاعه من خلال العمولات والرشاوي التي يفرضها مناخ الفساد مما يؤثر سلبا على عملية التنمية، كما يمكن أن يؤثر الفساد أيضا سلبا على سياسات الدعم التي تنتهجها دولة ما لتحقق أهدافا اجتماعية حيث يمكن من خلال أساليب الفساد وما تنطوي عليه من تلاعب ألا تصل السلع المدعومة على سبيل المثال إلى مستحقيها بل تصل إلى آخرين يحققون الأرباح الخيالية من خلال المتاجرة في هذه السلع في السوق السوداء بينما تتحمل الميزانية العامة للدولة هذا الدعم الذي لم يصل إلى من يستحق.

ثالثا: الآثار السياسية للفساد، حيث يطرح الفساد آثاره السياسية الخطيرة نتيجة انتشار مشاعر عدم الرضا والاستياء لدى القطاعات المختلفة من المواطنين المتضررين من أعمال الفساد وما يؤدي إليه ذلك من تفاوت كبير اجتماعي واقتصادي بين المستفيدين من أعمال الفساد والمتضررين منها، وتميل القطاعات المتضررة إلى تحميل النظام المسئولية عن أعمال الفساد وهو ما يترتب عليه انخفاض في درجة التقبل والرضاء عن السياسات المطبقة، ويترجم ذلك بالمصطلحات السياسية انخفاض درجة الشرعية، وبحيث يصبح في هذه الحالة المناخ ملائما لظهور مؤشرات عدم التكامل القومي، وعدم الاستقرار السياسي داخل المجتمع وخصوصا إذا تم استغلال مشاعر الإحباط والاستياء لدى قطاعات من المواطنين من جانب بعض الجماعات السياسية أو الدينية المناوئة للنظام وهو ما يعكس مدى الخطورة التي يمكن أن يمثلها الفساد من الناحية السياسية، ولعل أكثر المخاطر حدة هي ما يمكن أن يحدثه الفساد (في حالة انتشاره) من ازدواجية في النظام السياسي، حيث يتواجد النظام السياسي الرسمي أو القانوني من جانب، والنظام الثاني المترتب على وجود الفساد وهو نظام غير رسمي وغير قانوني وما يمكن أن يترتب على ذلك من آثار شديدة الخطورة من الناحية السياسية.

رابعا: الاحتياج إلى مجلس قومي مستقل لمكافحة الفساد، فكلما كانت أساليب مكافحة الفساد قوية ومؤثرة أسهم ذلك في تراجع الفساد، وتحتاج مصر من وجهة نظري إلى جهاز قومي مستقل ومؤثر لمكافحة الفساد في أشكاله ومستوياته المختلفة والذي تحول إلى ظاهرة منتشرة خلال العقود السابقة، وقد أثبتت تجربة هذا المجلس الأعلى  أو المجلس القومي المستقل نجاحا كبيرا في الدول التي أخذت به في آسيا وأمريكا اللاتينية، وبحيث يمكن التعامل الناجح مع هذه الظاهرة بمختلف جوانبها، وخصوصا ما يتعلق بالنواحي التشريعية والرقابية والجزائية وألا يتداخل عمله مع أية أجهزة  أخرى، وذلك لمكافحة آفة الفساد التي تعاني منها مصر وتؤثر سلبا عليها من الناحيتين السياسية والتنموية.

أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة