رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

صفحات من الزمن الجميل (١٣)

-  كنت فى ضيافة الدكتور مصطفى خليل «رحمه الله» عندما عين أول وزير للمواصلات فى عهد عبد الناصر عام 1958 وكان وقتها أستاذا بكلية الهندسة، فقد أردت أن أتعرف عليه فى بداية عملى كمحرر فى «آخر ساعة»، وكنت قد قررت أن أبدأ سلسلة من اللقاءات مع الوزراء تحت عنوان «يوم فى حياة وزير..» وتلقيت ردودا على دعوتى من عدد كبير من الوزراء، وكان الدكتور مصطفى خليل هو أولهم بعد زكريا محيى الدين الذى كانت تربطنى به علاقة وأنا طالب فى مدرسة فاروق الأول الثانوية بحكم زمالتى لابن أخته طارق شكرى مخيمر.

-  استضافنى الدكتور خليل فى بيته بالدقي.. يعيش مع أسرته الصغيرة.. زوجته وابنته الوحيدة «زينب» وابنه «هشام» الذى صار عضوا لامعا على الساحة وكان نجما فى البرلمان أيام حكم مبارك.. وفى لقائى بالدكتور خليل أحسست أننى ألتقى مع صديق يتمتع بالأبهة والشياكة والبساطة والرقي، قدم لى مجموعة مختلفة من قطع الشيكولاته، وجلسنا نتكلم فى جميع مشاكل التليفونات فقلت للوزير.. المشكلة فى السنترال، لأنك لو طلبت الترنك أو استعلامات الدليل لا يرد عليك أحدهما بسهولة، ولو كنت محظوظا وردت عاملة السنترال تتركك فترة «ملطوعا» على الخط وأنت لا تعرف لماذا؟.. ثم سألت الوزير.. لو افترضنا أنك تحتاج معرفة رقم أحد وتركتك عاملة السنترال.. ماذا ستفعل معها؟.

-  قال الوزير لن أتركها سأبقى الخط مفتوحًا إلى أن تدخل رئيستها على الخط وتعرف سبب الانتظار.. قلت للوزير.. واضح جدا إنك إنسان تتمتع بمثاليات عالية، هذه طبقة عايزة «الشخط» لا يهمهم مشتركا ولا خدمة مشترك، على طول قلة أدب مع المشتركين.. ولذلك أطلب من معاليك أن تجرب أمامى وتتصل باستعلامات الدليل.

- وأتى الوزير بعدة التليفون واتصل برقم ١٦ وظل الجرس يرن إلى أن انقطع من تلقاء نفسه بسبب طول الانتظار، ثم عاود الاتصال أكثر من مرة إلى أن ردت واحدة من بنات السنترال، وفى «عجرفة» سألته تلزم خدمة.. فرد الوزير فى أدب شديد يطلب منها توصيله برئيسة المكتب، رفضت قبل أن تعرف من هو، وعندما قال لها أنا وزير المواصلات.. قطعت الاتصال وبعد ثوان عادت حرارة التليفون.

 - و رفع الدكتور مصطفى خليل السماعة وطلب المهندس محمد رياض وكان رئيسا لهيئة التليفونات، وروى له ما حدث وأصر على تحديد شخصية عاملة التليفون، وطلب الوزير منه التحقيق فى هذه الواقعة الآن.. وكانت فرصتى أن أطلب من الوزير الدكتور مصطفى خليل أن أزور سنترال التليفونات لأرى على الطبيعة كيف يتعاملون مع المشتركين، ووعدت الوزير بأن أنقل له صورة حقيقية لما تراه عيناي.. فى التو واللحظة أعطى تعليماته لرئيس هيئة التليفونات بأن ألتقى مع ورديتين على الطبيعة، وتم تحديد موعد استقبالى..

- رأيت المآسى والعجب داخل سنترال رمسيس، بنات السنترال فى مأساة وكأن زيارتى لهن كانت فرصة لتوصيل آلامهن إلى الوزير.. غير مسموح للبنت ترك موقعها طوال ساعات العمل حتى ولو كانت «محصورة» ومحتاجة تروح الحمام، وبسبب هذا التعسف كثيرا من البنات مصابات بتسمم فى المسالك البولية بسبب عدم الاستجابة للتخلص من «البول» فى التوقيت المناسب.. سمعت عن صندوق الخدمات للعاملين هذا الصندوق يتم تمويله من مرتبات العاملين فى التليفونات والفكة القروش التى تبقى نتيجة سداد فواتير التليفونات.. ميزانية لا بأس بها.. اشتكت واحدة من الموظفات من استخدام هذا الصندوق لصالح القيادات بدليل أنها طلبت إعانة يوم وفاة والدها ولم تحتكم الأسرة على مصاريف الدفن، رفضوا الطلب بل جاءت التأشيرة بالحفظ، فى حين أن أحد المديرين قد حصل على إعانة بسبب «خراج» فى قفاه.. اصطحبتنى مجموعة من بنات السنترال إلى البوفيه بجوار الحمام..ترابيزة فوقها سخان كهرباء و «كوز» مياه، وأربع علب سلمون، واكتشفت أنهن يشربن الشاى فى علب السلمون بعد تسوية حروفها.

-  كتبت تحقيقا لـ«آخر ساعة» تحت عنوان «لا تشكو عاملة السنترال إذا تركتك ملطوعا على الخط» ورحت إلى وزير المواصلات الدكتور مصطفى خليل ورويت له عن المآسى التى رأيتها، الرجل تأثر، وطلب من رئيس الهيئة تغيير نظام العمل بحيث تمنح الموظفة نصف ساعة راحة كل ثلاث ساعات، ويتم إنشاء بوفيه على مستوى عال جدا مزود بجميع استخداماته، أما عن صندوق الخدمات فيعاد تشكيل إدارته بانضمام ست من بنات السنترال فى المجلس التنفيذى وأمر بضخ إعانة سنوية للصندوق تخصم من الحوافز.

-  لقد كان مصطفى خليل إنسانا، لا تشعر أنك مشدود وأنت جالس معه، لذلك تدرج فى موقعه وأصبح رئيسا لوزراء مصر.. وودعته مصر وهى تعلن أنها فقدت رجلا وطنيا محبا للسلام.. وفعلا كانت وفاته خسارة كبيرة على مصر والمصريين.

[email protected]