رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أوراق مسافرة

عندما بدأت الكتابة عن أخلاقنا كمصريين، والتى صارت الى ما صارت اليه من حال وسوء مآل نعرفه جميعا، ونأسف له جميعا، ولا نحاول اصلاحه الا قليلا منا، وجدت أحدهم يلومنى على نقدى لما صرنا اليه، بزعم ان صحفنا تتم قراءتها فى الدول العربية، وتتم ترجمتها فى الدول الغربية، وكأن هؤلاء ينتظرون ما نكتبه ليعلقوا علينا، ويعرفوا عيوبنا، وتجاهل هذا الشخص أن صورة الفوضى والقاذورات والعشوائيات والبلطجية والمتسولين، هى كل أو جل ما يعرفه عنا الغرب، ويتناقلونه فى وسائل إعلامهم ويكررونه فى افلامهم الوثائقية المسجلة، ونسى ان مراسلى وكالات الأنباء والصحف الأجنبية، يحرصون على الإقامة أو على الأقل الاختلاط بالمناطق الشعبية، لينقلوا لبلدانهم صورة من قاع المجتمع المصرى لا قمته، سواء عمدا بسوء نية، أو بحسن نية إثبات صدق أو عمق الأداء الصحفى لهم، لذا لا ينتظرنى هؤلاء ليعرفوا عيوبنا، أو يتحاكوا عنها، بل أرى من الشجاعة والصدق أن نواجه بأنفسنا هذه العيوب، لنصلح من شأننا، من أجل انفسنا، وأن نعود كسابق تاريخنا، أمة لها شأنها بين الامم، امة تستقى لحاضرها ومستقبلها أروع ما سجله تاريخها وماضيها من تقدم وحضارة وعلم وخلق، أما أن نكذب على أنفسنا، ونعتقد أن الآخرين يصدقون كذبنا، فهذا ما سيجعلنا دوما متخلفين، عالقين فى ذيل الشعوب حتى تلك الساعية الى الرقى.

وكان سردى لما تعرض له ولدى على يد المدرس الفرعون ومدير مدرسته فى نفس الوقت بالمدرسة الدولية وإصراره أن يضيع مستقبله لسبب تافه، وليغطى هذا المدرس على فشله واستغلاله للمدرسة، وقيامه بالشرح لأكثر من فصل فى وقت واحد ليوفر على صاحب المدرسة المزيد من المعلمين، لم اقصد سرد هذا كحالة شخصية، ولكنه كان  جزءا من حالة عامة، فأنا هو نفس هذا المواطن، الذى يعانى مثل ملايين غيره من امراض لا اخلاقية تفشت فى مدارسنا بكل انواعها وتوجهاتها، سواء كان عامة، أو دولية ندفع لها عشرات الالاف، حالة من الاستغلال المادى البشع، والاستعلاء والعجرفة الكاذبة المختلط بالفشل التعليمى والادبى، فمثل هذا المدرس ومدرسته، لن يخرج منها جيل واعٍ بحقوقه، مثقف ثقافة رفيعة، مؤدب تأدبا فيه احترام لا خوف، بل سيخرج منه طلاب يستغلون المواقف والحياة كما وجدوا معلمهم، وسيحاولون التلاعب بكل شيء لصالحهم، والكسب المادى من «الهواء» بالفهلوة، سيحاولون استغلال نفوذهم اذا ما وصلوا الى نفوذ، للانتقام من اى قهر تعرضوا له، أو ظلم وقعوا فيه، ولن ينجو منهم هذا المعلم او اى من أقاربه لو ساقته الصدفة لان يقع تحت ايدى اى منهم فى المستقبل، أليست هذه هى الحلقات الفاشلة اللاأخلاقية التى تتسلسل وتتشابك فى حياتنا، لتصنع لنا أطواقا من نيران نكتوى بها يوميا، ولا يمكننا منها الفكاك.

ولعلى مع قدوم شهر رمضان الكريم، تستوقفنى «ولا أعتقد أنى وحدى» هذه الأخلاقيات التكالبية الاستهلاكية المروعة،ومشاهد الزحام والطوابير والمشاجرات لحد الضرب وتدخل الشرطة على ابواب المجمعات الاستهلاكية والسوبر ماركت، وكأننا مقبلون على شهر مجاعة، لا شهر رمضان الذى فرض الله فيه الصوم كعبادة، ليشعر الغنى بالفقير، ولنقتصد فى طعامنا وشرابنا ساعة الافطار، وليكون هذا الشهر للزهد والعبادة، وليس لأكوام اللحم والدجاج والحلوى على الموائد، لنلقى معظمها آخر النهار فى القمامة، فيما ملايين من إخواننا يتضورون جوعا.

وأتساءل، هل عين المصرى اكبر من بطنه، هل يأكل الصائم اكثر مما يأكله فى ايامه العادية، والا بالله عليكم ما هذا الذى يحدث  من هجمة شرسة على تخزين الزيت والسكر والسمن والشاى واللحم والخضروات والأرز.. وهلم جرا، لماذا يختلف هذا الشهر لدينا ويتناقض عما امرنا الله به، فلا يخرج رب البيت من هذا الشهر الا مديونا ومثقلا بالهم والغم لتتلقفه مصروفات العيد، ومن ثم مصروفات العام الدراسى الجديد، ليزداد هما على هم، فبدلا من ان يكون رمضان شهر التقوى والتقشف، صار شهر الاسراف والطعام واللهو، ناهيك عن كم المسلسلات الساقطة التى تنتظرنا في صف طويل بكل ما «تقيأت» به قريحة المؤلف والسيناريست والمخرج من الفاظ خارجة، ومشاهد اباحية، لا وفسق وفجور وخمور ومخدرات، وصاجات وآهات، أليس هذا ما نعيشه فى رمضان، رغم ظواهر الصلاوات فى المساجد، وأصوات التراويح والفجر والسحر.

والله اشعر فى هذا الشهر اننا «الا قليلا» نعانى من فصام وشيزوفرينيا اخلاقية، نصوم ونصلى، رغم ذلك نسرف، لا نشعر بفقرائنا، نضيع صيامنا على موبقات التسلية والتلاهى الفج عبر شاشات التلفاز، أو ننطلق الى الاسواق والكافيهات لشرب الشيشة والسهر فى سرادقات الغناء، فيما لا يتورع البعض عن هز الوسط ابتهاجا بهذا الشهر الدينى الورع.

أخلاقنا فى رمضان باتت على حافة الميزان، على حافة الهاوية، أيضا إلا من رحم ربى، وأتمنى أن نجد فى رمضان هذا العام بداية حقيقية لنعود جميعا الى أخلاقنا الجميلة التى كنا عليها أيام «أبيض وأسود»، أن نتقى الله، أن نشعر أنه يرانا وإن كنا لا نراه، أن نصوم فعلا عن كل الشهوات والموبقات والنميمة والفساد، وان نفطر على قدر ما نملك بلا ترف او اسراف، ان نعطى الآخرين من فيض ما اكرمنا به الله، ان نتوب عن الرشوة وعن كل حرام، أن نعمل، فالعمل عبادة، لان شهر الصوم فى مصر هو شهر الصوم عن العمل والتزويغ، والتعلل بسهر السحور وصلاة الفجر، وفيه تتعطل مصالح كل المصريين، لأن الموظفين يصلون لمكاتبهم بعد العاشرة، ويهرلون منها قبل الواحدة ،ويتصارعون فى الشوارع بين عشرات الحوادث الهمجية بسبب السرعة، وكأن المدفع سينطلق فى منتتصف النهار.

وكل عام وأنتم ألف خير وأخلاق وللحديث بقية ...

 

 

[email protected]