رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات

للكاتب والناقد الأدبي «تي سي إليوت» كتاب بعنوان «ملاحظات نحو تعريف الثقافة»، كان قد لفت نظري منذ سنوات غير قليلة، فحرصت على اقتنائه لاكتشاف ما استفزني من عنوانه بتعريف ما رأيت آنذاك أنه ليس بحاجة إلى تعريف. أتذكر ذلك كلما مر على ذهني مصطلح «المكارثية»، وتصوري أنه بحاجة إلى إعادة تعريف، باعتبار أنه كذلك، قد يبدو بالنسبة للبعض بغير حاجة إلى تعريف. حتى لمن لا يعرف ما هي المكارثية من الأصل، فإنه يكفي بضغطة زر أن يدخل على موقع «ويكيبيديا» فيقدم له كل ما يريد معرفته عنها.

على هذا الأساس نشير إلى أن المكارثية، وفق «ويكي» هي سلوك يقوم بتوجيه الاتهامات بالتآمر والخيانة دون الاهتمام بالأدلة. وينسب هذا الاتجاه إلى عضو بمجلس الشيوخ الأمريكي اسمه جوزيف مكارثي كان رئيساً لإحدى اللجان الفرعية بالمجلس واتهم عدداً من موظفي الحكومة وبخاصة وزارة الخارجية، وقاد إلى حبس بعضهم بتهمة أنهم شيوعيون يعملون لمصلحة الاتحاد السوفيتي. وقد تبين فيما بعد أن معظم اتهاماته كانت على غير أساس. وأصدر المجلس في عام 1954 قراراً بتوجيه اللوم إليه. ويستخدم هذا المصطلح للتعبير عن الإرهاب الثقافي الموجه ضد المثقفين.

بعيدا عن المعنى المتعارف عليه للمصطلح، فإن عملية إعادة التعريف أو تقديم تعريف جديد له تنصرف إلى تجاوز المكارثية كحدث وقع في لحظة تاريخية معينة في دولة بعينها في ظل نظام حكم معين إلى ظاهرة يمكن أن نجد لها أمثلة في التاريخ، وأن نوسع من نطاق حدوثها لتتسع باتساع وجود الإنسان في مجتمعات مختلفة، دون أن نقصرها على المجتمع الذي وقعت أو ظهرت فيه. وبناء على ذلك مثلا يمكن لنا أن نقول إن المكارثية ظهرت في الواقع والخيال قبل أن تجد طريقها إلى حدث يتم إطلاق هذا التوصيف عليه. فنظام هتلر ربما يمثل المقدمة التاريخية الحقيقية لظهور المكارثية، وأنه في تطبيقه لها تجاوز ما أصبحت عليه فيما بعد.

 وبنفس المنطق يمكن القول إنه على المستوى الأدبي ربما كان جورج أورويل سباقا في التنبؤ بهذه الظاهرة من خلال روايته المعروفة «1984» والتي قدم خلالها ربما صورة خيالية فاقت الواقع وربما ستمثل الإطار الاساسي الذي يعبر عن المكارثية.

وربما يؤدي ذلك بالبعض إلى تصور المزاوجة بين المكارثية والديكتاتورية، وهو ربط غير صحيح، رغم أن بينهما خيطا رفيعا، وعلى ذلك يمكن التأكيد على أن المكارثية لا ترتبط بنظام سياسي معين، فالولايات المتحدة كانت في الفترة التي وقع فيها هذا التطور كانت تمثل الديمقراطية الغربية الرائدة ورغم ذلك فقد كانت منشأها. في ذات الوقت الذي يمكن القول فيه إن الديكتاتورية تمثل أنسب بيئة حاضنة للمكارثية.

  ويمكن أن نعثر على المكارثية في دول  شرق أوسطية تقع في منطقتنا. ومن ذلك مثلا قد يحق لنا أن نصف نظام صدام حسين بأنه أمعن في إطار ممارسات نظام حكمه التسلطي في ممارسة المكارثية، وأن الكثير من مواطنيه كانوا ضحايا هذا النوع من الممارسات على مدار سنوات وجوده في السلطة. بالطبع ليس نظام صدام فقط وإنما هناك أنظمة مختلفة لكن الحديث عن نظام صدام سهل وآمن باعتباره الحائط المائل والذي يمكن الإشارة إليه دون خوف أو وجل، رغم أنه كان رئيس ما وصفه البعض فيما بعد بـ «جمهورية الخوف»!!

واذا اعتمدنا الجانب الأساسي من تعريف المكارثية،  فربما أمكننا القول إنها لا تقتصر فقط على النظم السياسية وإنما يمكن مد نطاق حدوثها إلى الأنظمة الاجتماعية، سواء بالمفهوم الواسع أو الضيق، وفي هذا الخصوص يمكن القول إنه على غرار ما ذهب إليه عالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر من الحديث عن «الأخلاق البروتستانتينية»، فإن هناك ما يمكن وصفه بـ «الأخلاق المكارثية»، ومن هنا قد يمكن القول بأن هناك زوج مكارثي أو مكارثاوي، بل وأيضا زوجة مكارثية أو مكارثاوية. بل على صعيد علاقات العمل يمكن القول بأن هناك رئيس عمل مكارثي ينشر حالة من الشك والريبة وحالة من التربص بين مرؤوسيه حرصا على أن يحظى في النهاية بكسب الجميع.

إذا وسعنا من نظرتنا فربما أمكننا التزيد والقول بأن الإسلام كرّه المكارثية، فالإسلام حرم التفتيش في الضمائر واعتمد سلوك الإنسان كقرينة على موقفه الذي يساءل عليه. ولعل أفضل تعبير عن ذلك مقولة النبي (ص) : هلا شققت عن قلبه في واقعة قتل أسامة بن زيد لأحد يهوديي أهل فدك.

إن المكارثية، بغض النظر عن مكان وزمان وقوعها، ظاهرة بغيضة وسياسة تناقض ما يجب أن تكون عليه طبيعة المجتمع، وانتشارها ربما يؤدي إلى أن يعيش مثل هذا المجتمع في «فتنة» تجعل أفراده يتربصون ببعضهم البعض، وتيسر من انتشار الفساد لسهولة اتهام المخالفين بالتهمة التي ربما تمثل سيفا مسلطا على رقابهم عن غير حق، وقد يؤدي تسيدها في مجتمع إلى أن يشك المرء في أخيه وأمه وأبيه، ويتنصل من فصيلته التي تأويه.

 اللهم جنب مصر المكارثية وأبعد عنها شرورها.

[email protected]