عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

«نحو المستقبل»

كلما اقتربت أيام الاحتفال بعيد الفطر المبارك، هلت معها ذكريات الطفولة الطازجة التى كانت تغمرها الفرحة بحلول العيد ليس فقط من أجل ما كنا نجمعه كأطفال من قروش وجنيهات كمصروف للعيد من الآباء والأعمام والأخوال،  وكلهم كان يتبارى فى إسعادنا وإدخال السرور علينا، ويتهلل وجهه فرحا حينما يجدنا ندور حوله طلبا للمصروف! أقول ليس لهذا فقط كانت فرحتنا بأيام العيد، وإنما كانت الفرحة الأكبر بهذه السهرات النسائية التى كانت تتم عادة فى النصف الثانى من شهر رمضان الكريم فى بيوت العائلات لصنع كعك العيد والتبارى بين بيوت القرية كلها فى جودة الصنعة وجماليات الشكل وحلاوة الطعم. وكم كانت عائلتى محظوظة بوجود الحاجة مفيدة بين أفرادها حيث كانت ماهرة فى هذه الصنعة لدرجة التنافس بين الجميع على من يأتى بها فى منزله للسهر وصنع كعك العيد قبل الآخر! وكنا كأطفال ننتظر وجودها بفارغ الصبر، ونطير فرحا بتلك الليلة السعيدة التى سنتشرف بوجودها عندنا، ونظل نتلصص على هذا التجمع النسائى صانع الكعك والفرحة فى المنزل حتى تخرج من الفرن أول صوانى الكعك أو البسكويت لنرى ما هو الشكل المميز لهذا العام، وكانت الحاجة مفيدة تتفنن فى صنع أشكال يدوية جديدة بعيدة عن أشكال المناقيش التقليدية المصنوعة من الصاج، وكانت فرحة أطفال العائلة بهذه الليالى السعيدة والتنقل مع الحاجة مفيدة على أسر العائلة العديدة لا توصف، وكم كانت تبهرنا بأشكال جديدة وطعوم مختلفة للبسكويت والكعك كل ليلة!

ولذلك كان حلول شهر رمضان والحرص على صيامه منذ الطفولة المبكرة مسألة مشوقة لكل الأطفال، وأذكر أننى بدأتها منذ سن الخامسة تقريبا، ورغم أن الوالدين كانا يحضاننى بل ويحاولان إفطارى بالعافية، لصغر سنى إلا أننى كنت أرفض كل هذه المحاولات، وأعاود الصوم ليس عبادة فقط بل طمعا فى أن تكون سعادتى أكثر حينما تهل أيام العيد وأنا صائم، وهذا معناه أن الطفل قد كبر ويتصرف كالكبار. إن سعادة الطفل بهذه المشاعر والطقوس الرمضانية والمرتبطة بحلول عيد الفطر المبارك فى القرية المصرية أيام كانت القرية مميزة بمبانيها الطينية ولياليها الساحرة التى كانت تضيئها بالفعل فوانيس رمضان ذات الشمع أو البطاريات الصغيرة والكبيرة سعادة لا تستطيع اللغة أن تصفها لأننى ما زلت أحس بها حتى الآن، وما زلت رغم عشرات السنين التى مرت على تلك الأيام والليالى الساحرة أفتقدها، وما زال طعم بسكويت الحاجة مفيدة الذى كنت أنعم بتذوقه والاستمتاع بأكله من العيد الصغير «عيد الفطر» إلى العيد الكبير، ما زال لا يضاهيه أى بسكويت أو كعك منذ تلك الأيام حتى الآن مع كل التطور وكل الوسائل التكنولوجية الحديثة التى أدخلتها المصانع والمحلات الكبرى على صناعة حلويات العيد! ولا أدرى هل كان التحول الذى دخل على القرية المصرية فحول مبانيها إلى المبانى الأسمنتية الصماء وبالتالى خلت البيوت الريفية من الأفران البلدية البسيطة الجميلة التى تمكن كل أسرة من صناعة مخبوزاتها وطهى أشهى أطعمتها، هل كان هذا التحول خيرا أم شرا؟! طبعا سيهب الجميع ساخطين ومنتقدين: هل كنت تريد أن تظل القرية المصرية على حالها من التخلف ودون أن تتمتع بكل مظاهر المدنية والتحضر!

الحقيقة أن قريتى ككل القرى تغيرت، وأصبحت هى والمدينة سواء ومن ثم تغيرت طباع أهلها ولم يعودوا ينتجون خبزهم وبسكويتهم اللهم إلا باستثناءات محدودة! لقد أصبحوا مستهلكين أكثر لكل ما تنتجه المدينة، وكان من الطبيعى أن تتحول القرية إلى مقلدة لكل ما يجرى فى المدينة، وفى اعتقادى الشخصى أن التقليد قلل من الابداع، وأن التحول  الاستهلاكى قلل من الإنتاج. إن التغير فى المظاهر قد أثر فى الجوهر فلم تعد القرية قرية، ولم تعد منتجاتها وسكانها يتمتعون بنفس الأصالة والطزاجة والفطرة. وما زلت أتساءل: هل كان هذا التحول فيه الخير للقرية المصرية الأصيلة التى كانت تملؤها المحبة والمشاركة والتعاطف وتبادل المنتجات؟!

أياً كان الأمر فقد أصبحت القرية - المدينة واقعا ملموسا، وأن كنت لا أزال أتذكر وأحن إلى قريتى التى كانت مبانيها الطينية تتنفس هواء رطبا رغم حرارة الصيف، والتى كانت مميزة بإضاءة القمر والفوانيس، وما زلت كلما هلت الأيام الأخيرة من رمضان واقترب العيد أحس بطعم بسكويت الحاجة مفيدة فى فمى!!

 

[email protected]