رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نحو المستقبل

أعجب ممن يتيهون فرحاً الآن فى مصرنا الحبيبة من القائمين على تطوير التعليم بأنهم قد نجحوا فى توفير «تابلت» لكل طالب معتبرين أن هذه هى أهم خطوة فى تطوير العملية التعليمية فقد أصبح الطالب يمتلك الكتب الدراسية إلكترونياً ويمكنه أيضاً الامتحان إلكترونياً مستخدماً نفس شاشة التابلت! والحقيقة أن هذا الأمر يقتضى المزيد من الدراسة ومن التريث؛ ففضلاً عن المشكلات والمصاعب المادية والتقنية التى واجهتهم وتواجههم إلى الآن فى التطبيق، فإن الكثير من الدراسات مازالت تؤكد أن الكتاب الورقى هو الأفضل فى العملية التعليمية؛ وها هما أبيجل سيلين وريتشارد هاربر فى كتابهما «خرافة المكتب اللاورقى» 2001م يؤكدان أن الورق التقليدى العتيق الطراز بخواصه المادية وإمكانية لمسه وحمله وطيه والكتابة على هوامشه هو الأفضل، وقد صدقت على ذلك تلك الدراسة التى أجرتها آن مانجن من جامعة أكرشوش للعلوم التطبيقية بأوسلو 2013م، حيث بحثت الدراسة التى أجريت على طلاب تتراوح أعمارهم بين 15 و16 عاماً عما إذا كان هناك أى اختلاف فى الفهمين القراءة على شاشة الحاسوب وبين القراءة من نسخة مطبوعة؟! فكانت النتيجة أن الطلاب الذين يقرأون الكتب المطبوعة قد حققوا درجات أعلى بكثير فى اختبارات فهم المادة المقروءة مقارنة بزملائهم الذين قرأوا من الشاشة؛ إذ يمتلك قراء النص الورقى إمكانية الوصول الفورى إلى النص بأكمله ويسهل عليهم الحصول الفورى على لمحة عامة عن محتوى الكتاب وهذا يكون مدعماً بإشارات بصرية ولمسية تمكن القارئ من الإحساس بالتوسع المكانى والأبعاد المادية للنص، فالركيزة المادية للورق توفر تلميحات مادية ولمسية ومكانية وزمانية ثابتة بقدر طول النص الذى نوشك على قراءته، وعلى النقيض من ذلك فإن القراءة من الشاشة تقتصر على رؤية ولمس صفحة واحدة فقط من النص.

وقد أثبتت دراسة أخرى أن طلاب الصف الخامس الابتدائى كانوا أكثر فاعلية فى القراءة من نص تقليدى عنهم حينما يقرأونه عبر تصفحهم على شاشة الحاسوب.

وقد أشار الباحثون الذين أجروا هذه الدراسة إلى أن صعوبات القراءة على الحاسوب قد تنتج من تعطل الخرائط الذهنية للنص والذى قد ينعكس فى تدهور الفهم وعدم تذكر المواد المعروضة كما ينبغى!

والطريف أن ما يصدق على التعليم العام قبل الجامعى يصدق على التعليم الجامعى؛ ففى جامعة جوتنبرج قام فريق بحثى بدراسة وتقييم الجهد المعرفى فى القراءة فى كل نوع من الوسائط وتكررت النتائج المؤكدة على أن المشاركين فى الدراسة اختاروا بأغلبية ساحقة الورق المطبوع أكثر من الإلكترونى أو الحاسوب اللوحى كوسيلة للقراءة المفضلة، وقد تتبعت دراسة أخرى أجريت فى جامعة شيفيلد الطلاب وهم يتعرفون على حشرات «قمل الخشب»، حيث استخدمت مجموعة منهم دليلاً تقليدياً مطبوعاً للتعرف على تلك الحشرات، بينما استخدمت مجموعة أخرى الدليل محملاً على أحد الحواسيب، وقد اتضح أن المجموعة التى استخدمت الكتب المطبوعة كانت أكثر فضولاً وتشكيكاً فى المعلومات مما يؤكد أن الكتاب الورقى يوفر إحساساً بالديمومة وبنية مباشرة تمكن الطلاب من الشعور بأنهم أكثر أمناً وثقة عند طرح الأسئلة فضلاً عن أنهم يشعرون بأن لديهم مزيداً من الوقت للتأمل.

وعلى ذلك فمن الواضح، بل من المؤكد أن المهارات التى تتجاوز الفهم والإدراك قد تزدهر بسهولة أكبر نتيجة لقراءة الكتب الدراسية المطبوعة.

وقد علقت عالمة النفس البريطانية سوزان جرينفيلد- التى نقلنا عن كتابها «تغير العقل» نتائج الدراسات السابقة- على ذلك قائلة: «إن الجاذبية الرئيسية للكتاب المطبوع هى الرمزية الثقافية على رغم أنها لن تحظى بقيمة أعلى عند أخذ الاعتبارات الدنيوية كالسعر وسهولة الاستخدام فى الحسبان، تتسم الكتب المطبوعة بوجودها فى وقت ومكان محددين، وتوفر ديمومتها أماناً مطمئناً لن يتمكن الكتاب الإلكترونى من توفيره مطلقا».

وعلى كل حال فإننا نخطئ حتماً أن ظننا أن مجرد امتلاك الطالب لهذا «التابلت» سيجعله قادراً على التحصيل الأسرع أو سيجعله طالباً عصرياً أكثر وعياً وأكثر فهماً؛ فإذا كانت الدراسات فى الدول التى سبقتنا بسنوات فى تطبيق تجربة الكتاب الإلكترونى قد خرجت بهذه النتائج السلبية فما أحوجنا على الأقل فى هذه المرحلة الأولى من مراحل تطوير التعليم أن نظل حريصين على توافر الكتاب المطبوع فى يد طلابنا إلى جانب الكتاب الإلكترونى حتى نضمن الاستفادة الكاملة من البديلين. ولعلى أهمس فى أذن وزيرنا الهمام الذى يخوض تجربة التطوير بكل قوة وشجاعة: إن تطوير المضمون التعليمى وتطوير طرق التدريس داخل الفصل الدراسى بكثافة طلابية معقولة، فضلاً عن ضبط انتظام اليوم الدراسى وتواجد المدرسين داخل الحصص هو الأهم فى هذه المرحلة!