رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

رؤى

ربطتنى علاقة قوية بالأديب الراحل عبدالحكيم قاسم، فقد تشرفت بالعمل معه فى مجلة القاهرة فى إصدارها الأول فى منتصف الثمانينيات، حيث كنت ضمن الفريق المؤسس للمجلة تحت رئاسة تحرير الأديب الراحل عبدالرحمن فهمى ، وصدرت لمدة عام أسبوعية.

 للأديب عبدالحكيم قاسم رواية لا أنساها أبدا، بعنوان «قدر الغرف المقبضة»، كنت مثل جميع أبناء الأقاليم أسكن فى غرفة، وأنتقل من غرفة لغرفة ومن حى لآخر، حسب الحالة المادية، ومثل الآلاف غيرى كانت حوائط هذه الغرف الأسمنتية مطلية ببرودة وكآبة الوحدة والغربة، ترسم بمخيلتك على جدرانها الخالية مشاهد قد تبعث فيك سكون ودفء الأسرة، قدر الغرف المقبضة كانت وثيقة سجل فيها عبدالحكيم قاسم مشاهد الغربة والحرمان والحاجة لدفء الأسرة، كثيرا ما كنا نتحدث عن حوائط الغرف المقبضة، وأصف له ما أشعره فى غرفى ويحلل لى هو غرفه، عبدالحكيم كان يسقط مخاوفه ورؤاه التشاؤمية على الحوائط، وكان يلون المشاهد والخيالات التى تظهر على الجدران بهواجسه ومخاوفه، وكنت أنا أتمسك ببرودة حوائطى بعيدا عن مخاوف ورؤى قاسم المتشائمة.

هذه الغرف التى نحت عبد الحكيم قاسم أشكالها ووصف جدرانها حجرا حجرا على رؤاه ومخاوفه، حفرها القدر بأحاديثها فى ذاكرتى وأسكنها نفسى طوال هذه السنوات، تشخص أمامى كلما تطلعت إلى حوائط تركت خالية من الصور والأثاث، فقد أصبحت مسرحا يعبث بفراغها فى الخيال والذاكرة.

منذ فترة قرأت مقالا للكاتبة السورية ببريطانيا « أليسا أرم»، بعنوان «إحياء المدن السورية المدمرة يحتاج خيالاً أسمنتياً روسياً»، رسمت فيه لوحة للأحياء والمدن السورية التى دمرت، أليسا أرم طرحت فى بداية مقالها تساؤلات يصعب العثور على اجابة لها:« هل يستطيع التاريخ أن يولد مرة أخرى وينهض من رماده؟ هل باستطاعة التراث أن يعاد ترميمه؟، هل لمدينة حولت إلى حطام وباطون(أسمنت مسلح) مذاب أن تقوم من جديد؟، هل للأثريات أن تتواجد من دون آثار لأنها إما نهبت أو جرفت بالجرافات أو مسحت عن الوجود؟.

قبل شهور كنت اتفقت مع الأديبة السورية سوزان إبراهيم أن تكتب لى عن البيوت والأحياء قبل وبعد تدميرها، قلت لها أتمنى أن تروى الحكايات التى صيغت بين الحوائط وفى الشوارع وعلى المقاهى، الأصوات والعادات ونسمة الهواء، وخلافات الجيران، وهمسات النساء ومشاجرات الأطفال، وصوت المذياع، وصخب الورش، وأصوات الباعة، ورائحة الخبز، وجلسات السمر حول المدفئة ليلا، والذاهبون للعمل والمدارس فى الصباح، والأم التى تجذب طفلها بعيدا عن نهر الطريق، وصوت القطار من بعيد، وخط أبيض يتفتت فى السماء خلف طائرة، ومؤذن يدعو للصلاة، وضحكات الشباب على النواصي، وعامل يرش المياه أمام المحل، وأجراس الكنائس أيام الآحاد، ومتسول يقطع خيالك فى الطريق، ورجل يفتش فى قمامة عن بقايا طعام، وصحف معروضة على الرصيف مدججة بأخبار الحروب والدمار.

من الذى سينقذ سورية؟، ومن الذى سيعيد لها مدنها وحوائطها وحكاياتها وأبناءها بعيدا عن قدر الغرف المقبضة؟.

[email protected]