رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات

هذا المفهوم على عكس المفهومين اللذين تم تناولهما الأسبوعين الماضيين وهما أمية النبي، وحروب الردة، يعتبر له بعدا عمليا حيث تلقى طبيعة فهمه بتأثيرها على العلاقات بين المسلمين والآخر أيا كان هذا الآخر. وبغض النظر عن الأساس الذى تم بناء هذا المفهوم على أساسه، فإنه فى منظورنا المعاصر من المفترض أن يعتبر من المفاهيم التى انقرضت أو ينبغى لها أن تكون كذلك.

صحيح أن الحياة، وبشكل خاص للمسلمين، لن تخلو من المنازعات والخصومة مع الآخر، إلا أن النظر للعلاقات بين المسلمين وغيرهم من منظور دار الإسلام ودار الحرب لم يعد له أى مسوغ عملي. لقد احتل الحديث عن الدارين، الإسلام والحرب، حسبما تشير المتابعة الدقيقة لتطور المفهوم، مكانا بارزا فى الأدبيات الفقهية منذ القرن الثانى للهجرة، وزاد الاهتمام به فى القرون اللاحقة وساهم فيه نخبة من الفقهاء.

وحسبما يشير الباحث عبد الله ابراهيم فى دراسة له تطرق خلالها بالتفصيل إلى هذا الجانب، فإن العالم ينقسم حسب المفهوم الإسلامى إلى قسمين دار الإسلام التى تضم المجتمعات الإسلامية وغير الإسلامية الخاضعة للسيادة الإسلامية، وقد كانت دار الحرب هى الهدف الذى كان الشرع يسعى إلى أن يضمه إليه ومن واجب كل حاكم مسلم أن يسعى لإخضاع دار الحرب للسيادة الإسلامية عندما تتوافر له القوة الضرورية لذلك.

وعلى ذلك فإن الأساس النظرى للمفهوم يقوم على أساس أن دار الإسلام فى حالة حرب مع دار الحرب، لأن الهدف الأخير للإسلام هو العالم بأسره وهو أمر لن ينتهى إلا حينما يدخل الجميع فى الإسلام. وفى ضوء التفوق الإسلامى فى تلك الفترة التى بزغ فيها هذا المفهوم، فقد كانت النظرة للشعوب غير الإسلامية يشوبها قدر من التعالي، واعتبار أنها شعوب ضالة ينبغى أن تمتثل للشريعة الإسلامية، ويجب أن يبسط الإسلام فيها قيمه الأخلاقية.

ورغم ما ذهب إليه البعض من أن كل ما ذكر عن الحرب فى القرآن، إنما يشير إلى حملات النبى ضد أعداء محددين ولا تتحدث أى فقرة عن حرب من أجل نشر الإسلام خارج شبه الجزيرة العربية، إلا أن الاستناد للمفهوم ربما جاء انطلاقا من رؤية معينة للآية 29 من سورة التوبة التى تقرر «قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون» وكذلك الحديث النبوي: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا اله إلا الله فإن فعلوا ذلك عصموا دماءهم مني».

غير أن قراءة معاصرة فى المفهوم تشير إلى تبدل الأحوال، وتحول دار الإسلام الذى يعتبر مفهوم العالم الإسلامى مرادفا حديثا لها، من الهجوم إلى الدفاع، بمعنى فقدان حالة المبادرة فى العلاقة مع الآخر الأساس الذى كان يقوم عليه تقسيم العالم إلى دار للإسلام ودار للحرب. وربما يعزز من تداعى المفهوم فى مرحلتنا الحالية تطورات العولمة ووسائل الاتصال التى جعلت من العالم وحدة واحدة، على نحو يتوارى معه المفهوم.

وعلى ذلك مثلا وفى ضوء اتساع نطاق هجرة المسلمين إلى أوروبا والتوقعات بأن يصل عددهم هناك إلى ما يتراوح بين 30 و40 مليونا بحلول عام 2025، فإن السؤال هو هل تعتبر أوروبا فى هذه الحالة دار حرب، أم أنها تدخل فى عداد دار الإسلام؟ وإذا كان فى دولة مثل بريطانيا عدد من المساجد يتجاوز ألف مسجد، فهل تعتبر دار حرب؟

لا يقتصر الأمر على هذا الحد وإنما يمتد ليقدم البعض رؤية قد نختلف معها، لكنها تحمل أساسا منطقيا جديرا بالتأمل، تقوم على أن الهجرة إلى الغرب تماثل تلك التى قامت بها جماعة من المسلمين فى عصر النبى إلى الحبشة، وهى رؤية تستعيد وتستوحى تجربة النبى فى التعامل مع قريش الكافرة. وقد طور كليم صديقى وهو من الأعضاء البارزين فى البرلمان الإسلامى فى بريطانيا، وهو تنظيم مكون من اتجاهات وتيارات اسلامية عديدة على أرض المملكة المتحدة، هذه الرؤية إلى حد إعادة تفسيره لمبدأ دار الإسلام ودار الحرب باعتبار أن المفهوم يعكس حالة معنوية يمكن معها اعتبار بلاد الغرب دار إسلام وبلاد العرب دار حرب!

ورغم ما قد يبدو من تطرف هذه النظرة، إلا أنها ربما تجد ما يساندها فى حقيقة أن الإسلام يحارب فيما يعتبر تقليديا دولًا تقع فى دار الإسلام أكثر مما يحارب من تلك التى تقع فى دار الحرب. وإذا كان النطاق يضيق عن ضرب الأمثلة، فإن فى الإشارة إلى تجربة تعامل الحكومة النيوزيلندية مع حادث الهجوم على مسجدين هناك، مقارنة بردود حكومات إسلامية على أحداث مماثلة تقع على أراضيها، ما يكشف عن قدر من التداخل بين الدارين على نحو يصعب معه حال الإصرار على استمرار المفهوم تحديد أيها دار الإسلام وأيها دار الحرب!

وفى كل الأحوال، فإن محمولات المفهوم والتى تدفع إلى موقف من الآخر أكثر مما تستخلص صورة، والتطورات التى تضيق الحصار من حوله، تقتضى اعتباره من المفاهيم التى ربما يكون مكانها المثالى متحف الأفكار والمفاهيم!

[email protected]