رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

علشانك يا مصر

 

 

 

أحيانًا تكون مواقع التواصل الاجتماعى أداة مهمة، تجعلك تبحث وتطلع على بعض الموضوعات، خاصة التى مر عليها عشرات السنين، وتناولتها أقلام كتاب مرموقين وسجلتها أحداث تاريخية مهمة، وأصبحت هذه الأحداث ملكًا لكل قارئ من حقه أن يعرفها ويبحث فيها.

ومن هذه الأحداث علاقة الملك فاروق والقصر بالفنانين المصريين الذين احتلوا شاشات السينما فى مصر وفى البلدان العربية، وحاولت جاهدًا أن أصل إلى صاحب هذه الروايات وللأسف لم أستطع معرفته..

أولى هذه الحكايات مع سليمان بك نجيب:

ولد لأسرة مرموقة أدبيًا واجتماعيًا ونشأ ابن ذوات، ولهذا أجاد الفنان سليمان نجيب شخصية الأرستقراطى خفيف الظل بجدارة، ولعل ثقافته الواسعة وتعليمه الراقى هو الذى ساعده على تجسيد تلك الشخصية، حيث تخرج فى كلية الحقوق، وعمل موظفًا بوزارتى العدل والأوقاف إلى جانب عمله بالسلك الدبلوماسى كقنصل مصر فى إسطنبول.

وكانت تربط «نجيب» علاقة قوية مع الملك فاروق الأول، وكان «نجيب» أول فنان مصرى يمنحه الملك فاروق الأول لقب «البكوية»، بل وعينه مديرًا لدار الأوبرا المصرية، وكان يُطلق عليها «دار الأوبرا الملكية»، كأول مصرى يشغل هذا المنصب، وتحديدا عام 1938، وكانت رئاستها مقتصرة فقط على الموظفين الأجانب وخاصة البريطانيين، وهو ما كان يدل على قربه الشديد من الملك السابق، وأدارها بكل حزم ووجّه أعمالها نحو الغاية المثلى كصرح ثقافى مرموق، فشهدت الأوبرا فى عهده تقدمًا وتألقًا كبيرًا.

فى إحدى المرات، كان الملك فاروق جالسًا ليلة عرض أوبرا «لاترافياتا» فى منتصف مقصورته بالأوبرا التى شيّدها جده الخديو إسماعيل، فإذا به عن بعد يلمح شيئًا ما فى الصالة من أسفل، فاستعان الملك بمنظاره المكبر ليتأكد مما تراه عيناه، فغضب وطلب استدعاء «نجيب» مدير دار الأوبرا وقتها، مناولًا إياه المنظار مشيرًا إلى المقعد الخامس من الصف الثالث فى الصالة، حيث خلع صاحبه الجاكيت ووضعه على ساقية مكتفيًا بالقميص الأبيض المضيء وسط ملابس السهرة السوداء، ضاربًا بذلك قواعد البروتوكول عرض الحائط.

وقال الملك فاروق وهو غاضب: «سليمان أنت شايف اللى أنا شايفه؟»، فهرول «نجيب»، للمتفرج الذى ارتكب ذنبا لا يغتفر بخروجه عن القانون الأوبرالى، ليهمس محذرًا: «يا ابنى البس الجاكت الله يرضى عليك وعلينا».

ولم يكن الملك فاروق الأول وحده هو من يراعى صرامة بروتوكول حضور عروض الأوبرا، وإنما جميع أفراد الأسرة المالكة كانوا يفعلون، وعلى سبيل المثال، كانت الأميرة «فايزة»، شقيقة الملك فاروق الأول، تحجز دائمًا أحد «البناوير» فى أيام معينة من الأسبوع، وتدفع ثمن اشتراك الموسم كله وتحرص على الحضور فى المواعيد المخصصة، وفى إحدى الليالى قالوا لـ«نجيب» إن صاحبة السمو الملكى تجلس الآن فى «بنوارها»، فوقع فى مأزق حرج، لأن أصحاب «البنوار» فى تلك الليلة كانوا حاضرين، فتوجه إليها يستأذنها بالانتقال إلى «بنوار» آخر، فأدركت الأميرة خطأها لتهب واقفة فى خجل قائلة ببساطة لزوجها محمد على رؤوف: «لقد أخطأنا وجئنا فى يوم غير يومنا»، واعتذرا لـ«نجيب» بشدة، ثم أكملت الأميرة قائلة: «لا بد أن نعاقب أنفسنا بقضاء سهرتنا فى البيت».

وظل «نجيب» رئيسا لدار الأوبرا حتى يوليو 1952، حيث أحيل «نجيب» إلى المعاش فى العام نفسه، ومدت حكومة الثورة، تقديرًا لخدماته، فترة خدمته مديرًا للأوبرا لمدة عامين إضافيين.

وقبل نهاية العام الأول، وجه أحد الكتاب، من أقرب الأصدقاء إليه، اتهامات له بأنه كان من أشد المُخلصين للعرش فى العهد البائد‏،‏ لذا لا يستحق من رجالات الثورة أي تكريم.

وتأثر «نجيب» بشدة من هذه الاتهامات، وقدم استقالته خلال حفل حضره رجال الثورة وأصر عليها بشدة، لكنه عاد إلى منزله مُضمرًا الانتقام‏، وقضى أيامًا جمع فيها ما كتبه ذات الكاتب فى مديح فاروق وتقبيل الأعتاب الملكية‏،‏ إلا أنه فى النهاية ألقى بما جمع فى النار مُرددًا‏:‏ «إنك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء».

وبعدما استقال سليمان نجيب من الأوبرا تخطفته عدة وظائف اختار منها أن يكون سكرتيرًا لنادى الفرسان المصرى «الجوكى كلوب»، حيث كان يعشق الخيل والرهان عليها، وأوصى «نجيب» أن تذهب كل ثروته بعد وفاته إلى دار الأوبرا المصرية، عشقه الأول والأخير.

نجيب الريحانى

فى أوج عظمته الفنية كادت أيادى البلاط الملكى أن تبطش به لولا أن «كشكش بك» نجيب الريحانى كان يتمتع بصداقة قوية مع رئيس الديوان الملكى أحمد حسنين باشا، فأنقذه من المكائد وقدم له فرصة ذهبية للنجاة.

وكان «الريحاني» رغم فقره واستهلاك موارده المادية أولًا بأول فى احتياجات فرقته المسرحية، إلا أنه لم يسع يومًا لتملق السلطة الحاكمة، ولم يقدم إلا ما يتوافق ورؤيته السياسية والاجتماعية، بل كان أشجع من أن يقف موقف الحياد من عيوب الحُكام، فواجه تلك العيوب بالتلميح أحيانًا والتصريح أحيانًا أخرى.

وقدم «الريحاني» فى عهد الملك فاروق الأول مسرحية «حُكم قراقوش» عن حاكم ظالم مستبد، وحينما رآها الثانى لأول مرة غضب غضبًا شديدًا وكاد أن يعاقبه جزاء لفعلته، لولا تدخل مستشاره الأول أحمد حسنين، صديق «الريحاني» المقرب.

واستطاع «حسنين» إقناع الملك بأن «الريحاني» لا يقصده بل توجد فى التاريخ شخصية حقيقية كانت تُدعى «قراقوش».

وترك «الريحاني» المسرحية لفترة طويلة، ثم قدمها مرة أخرى حينما طلّق الملك زوجته الأولى الملكة فريدة، وانتشرت الهمسات على أفواه الشعب عن طيش «فاروق» وأفعاله غير المحسوبة.