رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

سمعت كثيراً عن معهد القلب، غير أني لم أره رأي العين سوى مساء 13 مايو الماضي حينما انتابتني بوادر أزمة قلبية – وأنا الخارج لتوي من تركيب 4 دعامات للشرايين - فطلب مني الطبيب المعالج أن أتوجه فوراً إلى المعهد لإمكان اتخاذ الإجراءات السريعة للعلاج.. طمأنني مرافقي بأنه يعرف المكان وسنصل إليه بسهولة.. كانت الساعة العاشرة والنصف تصورت أنني سأجد الموقف كما في طوارئ أي مستشفى، هادئ في هذا الوقت من الليل.. غير أني فوجئت في الاستقبال بكم الزحام الذي لا يتناسب مع مستشفى متخصص وليس عام.. حينما دخلنا طلب منا دفع قيمة التذكرة، تملكتني الدهشة حينما علمت أنها جنيهان فقط لا غير.. سألت نفسي حتى لو أن المعهد حكومي فهل هذه القيمة كافية لتقديم خدمة معقولة ولو في حدودها الدنيا؟.. ولماذا لا يتم رفع قيمة التذكرة لعشرة جنيهات مثلاً وهي أقل من أجرة أي تاكسي يأتي به المريض للمعهد؟

قام الطبيب المناوب بإجراء رسم قلب سريع وأخبرني بالعلاج اللازم.. ولأن طريقي طويل في العودة لسكني بمدينة أكتوبر فقد رغبت في دخول الحمام، تطلب الأمر المرور على عنبر المرضي المقيمين بالمعهد.. شعرت بأسى على حال مصر، الحالة مزرية وآنات المرضي تصيبك بالوجع، والحزن على بلد مرت عليه قرون وهو يبحث عن النهضة المفقودة.. زاد من سوء حالتي النفسية أنني وجدت الحمام ولكنه لم يكن حماماً وإنما هيكل حمام حيث تم نزع أحشائه من أجل إصلاحه.

ولذلك لم أشعر بدهشة للضجة التي أثارتها زيارة رئيس الوزراء محلب للمعهد وشعوره بالاستياء من حالة المعهد إلى الحد الذي جعلها عنواناً لمرحلة جديدة من الاهتمام بالصحة في مصر.. كانت الزيارة بمثابة زلزال يريد أن يقول بأننا سنبدأ رحلة إصلاح المنظومة الصحية من محطة معهد القلب.. غير أن ما أثار دهشتي في الزيارة هو تلك الحالة من البحث عن كباش فداء لتقديمهم على مذبح دغدغة مشاعر الجماهير من أجل إيصال رسالة بأنهم في القلب.. الحقيقي وليس المعهد،  التقصير وارد، والفساد أكثر وروداً، ومعدومو الضمير أكثر من الهم على القلب، غير أن مشكلة المعهد في تقديري ليست في ذلك فقط، وإنما هي أزمة إمكانيات تقصر الدولة عن توفيرها لتقديم خدمة تليق بالمواطن، وبدلاً من أن تواجه المواطن بتلك الحقيقة المفجعة كان البحث عن مسلك آخر، إلقاء التبعة على آخرين، وتلك هي النقيصة الغائبة في الحديث عن أزمة معهد القلب، الذي يعد نموذجاً مصغراً ليس لأزمة الإمكانيات الصحية في مصر كلها فقط وإنما نموذج لأزمة كيفية التعامل مع المشاكل التي نواجهها على غرار ذلك التعامل الذي رأيناه من رئيس الوزراء مع وضع المعهد، وإلا بماذا يمكن أن نفسر الوضع المزري لمستشفيات الأقاليم والتي يعتبر معها معهد القلب من الأماكن التي تستحق الجوائز دون أن يرف جفن لحالها؟

ليس لدى معلومات كافية لتقديم صورة تشفي غليل القارئ، غير أن القدر ساقني لطبيب بالمعهد، أعفي نفسي من ذكر اسمه، تمنيت لو أن أطباء مصر كلها من نوعيته، نموذج مشرف شعرت معه بمعنى القسم الذي يؤديه الطبيب قبل ممارسته لمهنته.. لا أدري ماذا ناله ضمن إجراءات التغيير بالمعهد؟.. ماذا يفعل هذا الطبيب أو غيره مع وضع مزري كذلك الذي عليه المعهد؟.. سمعت كثيراً عن أمثال هؤلاء في مجالات مختلفة تقدموا بمذكرات ورؤى لإصلاح أماكن عملهم فكان مصيرهم الإبعاد أو عقوبات مختلفة باتهامهم بالرغبة في الصعود أو دق إسفين في رؤسائهم وخلافه، وهو ما انتهى بنا إلى غرس السلبية لدى الراغبين في التغيير والنهضة المنشودة.. وهي حقيقة يؤكدها أن أمثال هؤلاء الباحثين عن الإصلاح غالباً ما يتبوأون مكانة مرموقة بعيداً عن أماكن عملهم ما يعني أن المشكلة ليست فيهم بقدر ما هي في بيئة العمل التي يوجدون بها.

في أزمة معهد القلب، شعرت أن مصر كلها موجودة، الإهمال والتقصير، والجنود المجهولون الذين يقدمون ما يستطيعون لإرضاء ضمائرهم، وأولئك الذين أعطوا ضمائرهم إجازة، ونقص الإمكانيات، والإجراءات المظهرية وتزييف وعي الناس، والتنطع الحكومي، فأدركت صحة توجه محلب على شرط أن يوجه دفة السير في اتجاه آخر!