عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات

على الرغم من مرور أكثر من خمسة عشر قرناً على ظهور الإسلام، فإن مفهوم «حروب الردة» التى دارت بعد وفاة النبى وعلى يد أول الخلفاء الراشدين أبوبكر الصديق لم يتعرض للتحليل المعمق والنقدى بشكل يجلى حقيقة هذه الحروب ويتجاوز التناول التقليدى لها فى كتب التراث، بل والكتب الحديثة التى تنقل مضمون الأولى دون تمحيص. وإن كانت الدقة تقتضى التنويه إلى أن المعتزلة أنكروا توصيف تلك الحروب بأنها حروب الردة، أو اعتبار من تم خوض تلك الحروب ضدهم مرتدين.

ذلك أن نظرة متفحصة لما دار يمكن لها أن تخلص بسهولة إلى أن هذه الحروب لم تكن على النحو الذى أطلق عليها وإنما دارت على خلفية أسباب أخرى قد تكون الردة أحد محاورها وليست محورها الرئيسى، ما يعنى أن نسبة الحروب إلى هذا السبب –الردة- يحمل قدراً من المغالاة أو النفى لأسباب أخرى، وهو أمر ربما كان مبرراً لدى من رأى إطلاق هذا التوصيف على تلك الحروب، وإن كان لا يجب أن ينسحب علينا فى إطار محاولة الفهم الدقيق لأحداث صدر الإسلام.

ولاعتبارات المساحة نشير بشكل مباشر إلى أن تلك الحروب إنما قامت على خلفية سبب رئيسى هو امتناع القبائل التى دخلت فى الإسلام زمن النبى (ص) عن دفع الزكاة بعد وفاته، وهو أمر تشير إليه حتى المصادر التى تذكر فى معرض توصيف هذه الحروب بأنها حروب للردة. ومن ذلك ما يذهب إليه جلال الدين السيوطى مثلاً فى كتابه «تاريخ الخلفاء» حيث ينقل رواية عن عمر بن الخطاب تشير إلى أنه لما قبض رسول الله (ص) «..ارتد من ارتد من العرب وقالوا: نصلى ولا نزكى!» الأمر الذى يعززه التناول الحديث لهذه القضية، حيث يذكر محمد رضا صاحب كتاب «تراجم الخلفاء الراشدين» إلى أن بعض القبائل..«ارتدوا ومنعوا الزكاة بعد وفاة الرسول».

ويشير ذلك بشكل أساسى إلى أن موضع النزاع إنما كان هو منع الزكاة الأمر الذى لم يقبله الخليفة أبوبكر الصديق فى ضوء رؤيته ضرورة السير على نهج الرسول الكريم فى كل مراميه، وقد كان أبوبكر بالغ الشدة فى هذا الأمر ربما أكثر من عمر بن الخطاب الذى كانت الشدة سمة أساسية له. ولعله يؤكد ما نذهب إليه قولة أبوبكر الصديق الشهيرة: «والله لو منعونى عقالاً أو عناقاً كانوا يؤدونها إلى رسول الله لقاتلتهم على منعها»، وكذلك قوله: والله لا أقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال». وهى عبارات كاشفة عن أن محور الأزمة إنما هو الزكاة، هذا رغم أن خطاب أبوبكر إلى القبائل التى توجهت إليها جيوش المسلمين كان يتضمن حثهم على التمسك بالإسلام، وهو ما قد يستنتج منه البعض أن الردة كانت على أشدها على خلفية هذا الأمر.

وتعزيزاً لما نذهب إليه نشير اعتماداً على المصادر التاريخية إلى أن عمر بن الخطاب لم يستعمل فى وصف هؤلاء مصطلح الردة وإنما راح يراجع الخليفة أبوبكر فى موقفه داعياً إياه إلى أن يتألف ويرفق بهم باعتبار أنهم « بمنزلة الوحش»، فكان رد الصديق الذى أشرنا إليه آنفاً.

فضلاً عن ذلك فقد كان لدى القبائل الممتنعة عن الزكاة منطقها فى ذلك، بغض النظر عن رفضه أم قبوله، فتلك قضية أخرى، فمن وجهة نظر البعض فى معرض شرح هذا الجانب فإن الممتنعين لم ينكروا أصل الدين، وإنما تأوّلوا فأخطأوا لأنهم تأولوا قوله تعالى: خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليه أن صلاتك سكن لهم» فقالوا إنما ندفع الزكاة من أموالنا إلى من صلاته سكن لنا ولم يبق بعد وفاة النبى من بهذه الصفة فسقط عنا وجوب الزكاة وليس هذا من الردة فى شئ.

وهو ما يؤكده أن القبائل التى فاوضت أبوبكر من ممثلى أسد وغطفان وطئ وهوازن وقضاعة أكدوا عزمهم على الاستمرار فى الصلاة. وهنا فإنه يجرى تشبيه موقف تلك القبائل بتلك الأزمة التى جرت بين المهاجرين والأنصار عقب وفاة النبى، وإن كانت الأزمة الأخيرة أكثر تشابكا وتعقيدا. ولعل فى مقتل مالك بن نويرة وقد كان على إسلامه على يد خالد بن الوليد ما يعزز فكرة أن الصراع لم يكن على ردة، وهى الحادثة التى أثارت حنق عمر على إبن الوليد فيما إرتأى أبوبكر أن خالدا تأول فأخطأ فى قتله مالكاً.

والخلاصة أنه ربما كان من الأفضل أن يطلق على «حروب الردة» صفة حروب ما بعد وفاة الرسول أو حروب الامتناع عن الزكاة أو حروب دولة أبوبكر الصديق، وقد كانت تحركها دوافع أبعد ما تكون عن جوهر العقيدة وأنها كانت أشبه بالعصيان القبلى، وإن انتهت بنتائج بالغة الإيجابية على نحو بلور وحدة سياسية إسلامية لم تتح وفاة الرسول لها أن تتم، وساهمت فى تحقق فكرة الدعوة لجمع القرآن فى ضوء مقتل معظم الصحابة من حفظته، وكذلك تدشين الفتوحات الإسلامية التى انبثقت عنها تلك «الدولة – الإمبراطورية» التى امتدت بعرض وطول العالم القديم.

[email protected]