عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نحو المستقبل

لقد حفلت حياة د. زقزوق بنشاط علمى وافر ومتنوع فى مجال تخصصه فى الفلسفة عموما والفلسفة الإسلامية على وجه الخصوص؛ حيث قدم للمكتبة العربية أكثر من ثلاثين كتابا ترجم بعضها إلى لغات أخرى مثل الانجليزية والفرنسية والألمانية والتركية والإندونسية والروسية والإسبانية والقزاقية والبوسنية, ومن أهمها: المنهج الفلسفى بين الغزالى وديكارت، الاستشراق والخلفية الفكرية للصراع الحضارى، الدين والفلسفة والتنوير، الدين والحضارة، حقائق إسلامية فى مواجهة حملات التشكيك، الاسلام فى مرآة الفكر الغربى، الاسلام فى عصر العولمة، الحضارة فريضة اسلامية، الاسلام وقضايا الحوار، هموم الأمة الاسلامية، الانسان والقيم فى التصور الاسلامى، مقدمة فى علم الأخلاق، تمهيد للفلسفة، الاسلام وقضايا الانسان، المسلمون فى مفترق الطرق وتأملات فى أزمة الفكر الإسلامى المعاصر... إلخ.

وبالطبع فقد تميزت هذه المؤلفات جميعها بمنهجية عقلانية تنويرية معتدلة تتفاعل وتتحاور مع كل الآراء والاجتهادات التى قدمها الفلاسفة والعلماء المسلمون بل وغير المسلمين من مختلف الاتجاهات والتيارات قدماء كانوا أو محدثين باعتدال وبلا مغالاة أو تملق. إن سمة د. زقزوق فى مؤلفاته هى جزء من سمات شخصيته العقلانية المعتدلة السمحة وإن لم تتهاون فى الحق وانتهاج الموضوعية العلمية. ولعل من أهم ابداعاته ما سماه مؤخرا «علم المقارنات الفلسفية» الذى أشار إليه فى مذكراته ثم أصدر فيه مؤخرا كتابا مهما يحمل نفس العنوان، وهذا الكتاب فى اعتقادى يعود فى أصله إلى رسالته البديعة للدكتوراه التى كانت دراسة مقارنة فى المنهج الفلسفى بين الغزالى وديكارت، فقد جاءت هذه الرسالة بمثابة تدشين تطبيقى لهذا العلم الذى يدعو إليه الآن، وهو قد أشار بنفسه إلى أن هذا العلم وتسميته إنما جاءت على لسان أحد الباحثين السويسريين الذى كتب مقالا فى احدى الصحف السويسرية تعليقا على هذه الرسالة العلمية للدكتور زقزوق بعنوان: «هل كان الغزالى ديكارتيا قبل ديكارت»؟ وأشار إلى التطابق بين أفكار الفيلسوفين فيما يتعلق بالشك المنهجى وأكد «أن هذا البحث يعد نموذجا ممتازا لاتجاه مستقبلى يمكن أن نطلق عليه اسم علم المقارنات الفلسفية».

وتلقف د. زقزوق هذه الاشارة ليبدأ من خلال كتابه الأخير الدعوة إلى هذا العلم الجديد الذى يمكن أن يكشف من خلال اقامة هذه المقارنات الفلسفية الموضوعية عن مدى التفاعل الفكرى والثقافى بين الشعوب المختلفة سواء تم ذلك التفاعل بطريق مباشر أو غير مباشر وهو علم يسهم بلا شك فى تأكيد حوار الحضارات وتفاعل الثقافات وليس ذلك بالضرورة من خلال بيان مسألة التأثير والتأثر بل قبل ذلك وبعده من خلال بيان أن التجربة الانسانية واحدة ولا يوجد شعب يتميز فيها عن آخر وأنها قد تتكرر عبر الزمن بأسماء مختلفة ومفاهيم ومصطلحات قد تتطابق أو تتشابه! وقد أكد مفكرنا أن منطلقات هذا العلم الجديد موجودة فى دراسة تطور الفكر الفلسفى، حيث أثرت الفلسفة اليونانية على الفلسفة الاسلامية، كما أثرت الفلسفة الاسلامية على الفلسفة الأوربية فى العصر الوسيط والحديث. وعلى ذلك حدد بعض مجالات ومضامين البحث فى هذا العلم الجديد ببعض النماذج التى تمثل رؤوس موضوعات للباحثين المستقبليين فيه، مثل المقارنة بين الغزالى وديكارت فى المنهج الفلسفى، وبين الغزالى وديفيد هيوم فى موقفهما انكار السببية أو العلية، وبين الغزالى وكانط فى الفلسفة النقدية، حيث يتشابه موقفهما النقدى من الفلسفات السابقة عليهما، والمقارنة بين ابن سينا وديكارت فى موضوع النفس، والمقارنة بين ابن رشد واسبينوزا فى نظرية الحقيقة المزدوجة والمقارنة بين ابن عربى واسبينوزا فى نظرية وحدة الوجود، والمقارنة بين ابن رشد وليبنتز فى الممكنات المخلوقة عند الأول والممكنات المجتمعة عند الثانى.

ومن الجميل أن د. زقزوق قد ذكر فى ثنايا ذلك بعض الدراسات السابقة فى هذه المجالات والموضوعات التى حددها وهو يدعو الباحثين إلى مواصلة جهود السابقين فى هذه الدراسات المقارنة، وأنا معه فى هذه الدعوة تماما، فمن شأن هذه المقارنات الفلسفية أن تكشف بما لا يدع مجالا للشك أن الفلسفة بكل موضوعاتها ومناهجها ليست مقصورة على شعب دون آخر ولا على حضارة دون أخرى، ولعل ذلك العلم الجديد يرسخ ما سبق أن دعوت إليه مرارا وتكرارا من نفى ما يسمى بالمعجزة اليونانية فى نشأة الفلسفة والمعجزة الغربية عموما فى تطورها وانفراد الغربيين بها، كما أن من شأنه أن يخلصنا من وهم التفوق الغربى عموما، ويمكننا من الفهم الموضوعى لتطور الفكر الفلسفى العالمى باعتباره حلقات متتالية تبدأ من الشرق القديم حتى الفكر الفلسفى العربى والغربى المعاصر، تتشابه فيه الأفكار أحيانا وتتطابق أحيانا، ويأخذ اللاحق فيه عن السابق، ويستفيد فيه الغربى من الشرقى أو العربى، كما يستفيد فيه العربى والشرقى من الغربى، والفضل فى كل تميز هنا أو هناك إنما هو للعقل المبدع الذى وهبه الله للإنسان شرقيا كان أو غربيا.

 

[email protected]