عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أحوال مصرية:

كل شيء جرى بالصدفة، لم يكن مرتباً من قبل تصديقا لقول الشاعر «مشيناها خطى كتبت علينا.. ومن كتبت عليه خطى مشاها»، كان سفرى الى السعودية فى أوائل سبعينيات القرن الماضى الخروج الثالث لى من مدينة قنا التى ضاقت بى بما رحبت فى تلك الفترة، كان الخروج الأول والسفر الأول الى الاسكندرية فى العام 1970، وكانت رؤية البحر المتوسط وامتداده على الأفق البعيد بلا نهاية صدمة حضارية لي،  وددت المشى والاقامة فى الاسكندرية الى الأبد، ولكن ذلك لم يكن متاحا بأى حال، حيث رفض جدى الفكرة لوالدى قبل زواجه فى أواخر الخمسينيات من القرن  الماضى ثم جاء سفرى الى القاهرة لقضاء فترة الصيف الفرصة الثانية لي للخروج الي فضاء أكثر رحابة من قنا، ثم فجأة سمعت اننا سوف  نسافر الى السعودية لتعاقد والدى للعمل هناك مدرسا لمادة التربية الفنية، وان العمل سيكون فى منطقة الباحة التى تعد مصيف السعودية هى ومدن أخرى لا تقل جمالا مثل أبها وخميس مشيط وبلجرشي، وأن الجميل فى السفر حقا هو أداء العمرة فى ليلة  القدر، ثم قضاء فريضة الحج وزيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم، وبسرعة جهزنا أوراقنا للسفر الميمون لنجد انفسنا فى مطار القاهرة الدولى الذى أبهرنى اتساعه فى ذلك الوقت، والذى لا يمكن مقارنته بالاتساع الرهيب الذى يفوق الخيال حالياً.

كنت ملهوفا لركوب الطائرة ومتخوفا منها فى ذات الوقت وبعد رحلة  استمرت قرابة الأربع ساعات إلا الربع وصلنا مطار جدة  الدولي!

كان متواضعا جدا بالمقارنة بالمطار الحالى وبعد انتهاء الأوراق والتصديقات خرجنا بحثا  عن سيارة تنقلنا الى الباحة، وبعد مفاوضات سريعة وجدنا  ضالتنا فى سيارة بيجو 7 راكب سأل السائق عن طريقنا، فقال ستصل  أولا  الى الطائف ومنها الى الباحة. كان السفر أعجوبة ورحلة شاقة بكل معنى الكلمة، حيث صعدنا جبال أبها من مكة الى الطائف، كان  الطريق مخيفا ومرعبا، بالسير فى سلسلة حلزونية من جنوب وادى مكة الى الطائف، وبعد فترة قصيرة فى أحد المقاهى المتناثرة على الطريق استأنفنا طريقنا الى الباحة، كان الطريق طويلا  وموحشا يمر عبر جبال عسير  وكأنه بلا نهاية، وتبدو الصحراء المترامية على الأطراف، وكأنها لوحة سريالية ليس لها إطار يحدد نهايتها، كان الصمت سيد الموقف، وبعض السيارات المسرعة من طرازات أخرى تبدو كالبرق الخاطف، ولكسر حاجز الصمت بلا نهاية تذكر السائق أن لديه مذياعا فى السيارة فقام بالبحث فى المؤشر حتى وجد اذاعة  القرآن الكريم، استمرت السيارة فى السير حتى المغرب تقريباً لنجد انفسنا فى الباحة أخيراً! لقد مرت أمامنا قرية صغيرة فيها سوق محدود وبعض البنايات، لم يكن هناك فندق أو شقة يمكن استئجارها، وبعد السؤال فى المنطقة التعليمية أقمنا فى هنجر من الألومنيوم بعد شراء لوازم الفطار من أحد المحلات، كان الظلام دامسا والمطر يتساقط ببعض الثلوج، لقد قضينا ليلة رهيبة وقتها فى الصباح استضافنا احد المدرسين المصريين للإقامة معه عدة أيام قبل انتقالنا الى قرية آل موسي، كان رمضان فى السعودية  يختلف تماماً عن رمضان فى مصر، فلا باعة كنافة ولا قطايف ولا زينة ولا يحزنون، ووجدت وقتها أن طقوس الحياة بالسعودية تختلف جذريا عن الحياة فى مصر، وكم يعوضنا اختفاء بهجة رمضان فى قرية آل موسى إلا ذهابنا الى مكة لقضاء العمرة فى ليلة  القدر وكانت أجواء احتفالية ودينية تفوق الخيال خصوصا عن رؤية الكعبة لأول مرة.