رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

خارج السطر

لم تعد الكتابة عشقا، لم تعد مُتعة، لذة، كفاحا، نُصحا، مقاومة، نقدا، تصحيحا، تغييرا. صارت لعنة، وجع كل يوم، استنزافا لا طائل منه، ضجيجا عبثيا، رجعية محضة، وجنونا مطلقا.

العالم يحكمه الزاعقون، ولا مجال لصوت هادئ، ولا فرصة لثقافة. ترامب يصهل كأسد هصور، بوتين يتلاعب بالأيدلوجيات، تنتصر قوى التطرف في أوروبا، يكبر الإرهاب وتتمدد الدموية،   وتتسع مدائن الخوف، ويعلو الضجيج على العقل.

لا الكتابة تُعيد أمجادا ولت، ولا الثقافة تُحيي ضمائر دُفنت، ولا الكلمة تقود أمما نحو شيء. انصرف الناس شرقا وغربا مؤمنين أن الكلمة أضعف من سبيكة ذهب، وأن الرأي يجب أن يوجه، ويحور، ويعاد تشكيله ليرضي الزبون.

في تصوري، فإن محنة الإعلام لم تعد العولمة، ولا التكنولوجيا الحديثة، ولا ارتفاع أسعار الورق، وإنما انصراف الناس. لم يعد الجمهور مؤمنا بجدوى ما يكتب، شرقا وغربا. في الأمم المتحضرة المتحررة، وفي البلدان الخائفة المختنقة صار الأمر سيان، ففى الأولى أنت تكتب لإرضاء الممول، وفي الثانية أنت تكتب لإرضاء الأجهزة المنوط بها إدارة الثقافة والصحافة.

الكتابة صارت سلعة لا سلاح. أداة إرضاء لا مفك تصليح. كل حرف لا يتم ترجمته إلى حفنة دولارات هو حرف لا قيمة له، وحتى أولئك الذين يدعون إلى الله، العدل، الأخلاق، والحرية لم يعودوا لافتين لأحد أو جاذبين لاهتمام .

العولمة تُسلع كل شيء. براند خلف براند. تريند بعد آخر. لا أسباب منطقية لنجاح أغنية ما، فكرة غريبة ،برنامج تافه، لوحة، إنسان. تسطح القيم والمبادئ صار أهم قيمة ومبدأ، ومقايضة كل شيء بالمادة أهلك فنونا، وخرب جمالا، وأنضب ابداعات.

محنة الكتابة مرئية لأننا منغمسون فيها ليل نهار. محسوسة لأنها تمسكنا قبل أن نمسكها. موجعة لأننا نحب القلم والأوراق وشكل الحروف المتشابكة التي كانت تسحر الألباب عندما تُنطق. نحن مهمومون بالمحنة لأننا نقرأ التاريخ ونعرف كيف كانت كلمة أقوى من جيوش. كيف غيرت قصائد أمما وشعوبا وبلدانا؟ كيف كانت حكومات طاغية ترتجف من قصيدة شعر للوركا؟ كيف بدلت كُتب كارل ماركس خرائط العالم الحديث؟ ما فعلته الصحف، والمنشورات، والكتب، والروايات، ودواوين الشعر، وتدوينات الناس في العالم لا يمكن تصوره، لذا، فإننا حزانى على حال الصحافة والإعلام، متألمين لنظرة المجتمعات المتدنية للكتاب والأدباء.

قال لي أكثر من ناصح: لا تكتب في أي شيء. لم يعد هناك مَن يحب القراءة. الموبايل سريع، ومقطع فيديو ضاحك أفضل من نص رصين. أغنية لحمو بيكا أكثر شيوعا من رواية للراحل الخالد نجيب محفوظ. هذا عصر الترافيك. الجمهور، الماركتنج. زجرني صاحب وعاتبني لأنني مازلت أستحضر لكتابة مقال. أستقطع وقتا يمكن استغلاله لأداء عمل مقابل مال. قال لي : رص أي شيء. كرر كلاما سابقا. كبر دماغك. لا أحد يقرأ.

ولأنني مجنون، عاص، غريب الأطوار، شكرت نصيحته، وجلست إلى حاسوبي العزيز مستمتعا مستحضرا للكتابة. سأكتب حتى إن لم يوجد مَن يقرءون. فلا حرف يولد، يموت أبدا. قد لا يكون الوقت مناسبا لمَن يقرأ، لكن لابد سيحين حين للقراءة، لأن أول آيات القرآن كانت: إقرأ.

والله أعلم.

[email protected]