رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

 

ماذا لو تاب إبليس وقرر أن يكون ملاكًا صالحًا؟ هكذا فكر الأستاذ توفيق الحكيم في مجموعته القصصية القصيرة « أرني الله ».. ذهب إبليس في قصة الحكيم الي كبير الحاخامات اليهود وإلى بابا الفاتيكان وإلى شيخ الأزهر يطلب من كل واحد منهم التوبة والتخلي عن دور ملاك الشر.. رفض الأقطاب الثلاثة واحدا تلو الآخر طلب ابليس بدعوى أنه لو تاب سيضر بأديانهم ودنياهم لأن الكون استقر على ثنائية الخير والشر وأن عملهم يقوم بالأساس على ما يفعله ابليس بالبشر.. هم مثل وزراء الداخلية الذين يتتبعون خطى الشيطان ظاهرا أو مستترا، ولو صلح أمر الشيطان وتاب فماذا يعملون هم، وما مصير المعابد والكنائس والمساجد والتيجان المذهبة.. والأهم من ذلك أن ابليس هو محور الكتاب المقدس بعهده «القديم والجديد» وأيضا هو محور القرآن الكريم – فكيف يمحى من الوجود دون أن تمحى كل تلك الأخيلة والأساطير والمعاني التي تملأ قلوب المؤمنين وتفجر خيالهم؟ ما معنى « يوم الحساب » اذا محى الشر من الأرض؟ وهل يحاسب أتباع الشيطان الذين تبعوه قبل إيمانه، أم تمحى سيئاتهم مادامت توبة إبليس قد قبلت؟ ثم ما مصير العالم وقد خلا من الشر؟

هنا أدرك ابليس أن عليه أن يعود للسماء ليعرض الأمر على من كان معهم ملاكًا قبل أن ينزل للأرض عقابا له على غوايته لآدم وحواء في البدء.. وحلق إبليس للسموات العلا والتقى جبريل وطلب منه أن يشرح لله رغبته في التوبة واعتزال الشر.. سأله جبريل ماذا تريد..أجابه إبليس..  التوبة.. رد جبريل.. الآن.. تساءل إبليس هل جئت متأخرا؟ فاجأه جبريل.. لا.. لقد جئت قبل الأوان.. تساءل إبليس كيف؟ وكان شرح جبريل « ليس لك الآن أن تغير نظام الكون ولا أن تقلب ما استقر من أوضاع لأن الخير محظور عليك ولن تجد من يعينك على عصيان هذا الأمر ».. وتساءل إبليس أليس هناك رحمة وكل الكتب المقدسة تشجع عليها؟ أجابه جبريل « ليس للرحمة ولا المغفرة أن تمسا نظام الخليقة، لأن زوالك من الأرض يزيل الأركان ويزلزل الجدران، فلا معنى للفضيلة بغير وجود الرذيلة.. ولا للحق بغير الباطل – بل إن الناس لا يرون نور الله إلا من خلال ظلامك.. وجودك ضرورى في الارض ما بقيت الأرض مهبطا لتلك الصفات العليا التي أسبغها الله على بنى الانسان».

حزن إبليس وتأزمت نفسه وقال لجبريل « أفهم من كلامك أن نفسي المعتمة يجب أن تظل هكذا لتعكس نور الله.. سأرضى بنصيبي من أجل صفاء الله.. ولكن.. هل تظل النقمة تلاحقني على الرغم مما يسكن قلبي من حسن النية ونبل الطوية « وأجابه جبريل.. نعم.. يجب أن تظل ملعونا طول الزمان.. إذا زالت عنك اللعنة زال كل شيء.. تحمل مصيرك وقم بواجبك ولا تتوجع أو تثر.. وهنا ختم ابليس حديثه لجبريل متأثرا حزينا « لو أني أردت الثورة حقا لعصيت  وثرت وخرجت على النظام وشققت عصا الطاعة.. مجرد صمتي لحظة وامتناعي عن الشر دقيقة واحدة سينهار كل شيء.. لو فعلت ذلك وعصيت الخالق بالتوبة لأصبحت الأرض مهدمة الأركان ومزلزلة الجدران وسينهار النظام كله.. لن أثور ولن أعصى الله وسأعود متدثرا بعباءة لعنتي » وعاد جبريل من بطن السماء عائدا للأرض وصارخا في الفضاء..إني شهيد.. إني شهيد.. وهكذا كان خيال الأستاذ الكبير توفيق الحكيم حول معنى الوجود وجدلية استمراريته وتطوره.. ولو تأملنا حالنا اليوم بعد ملايين السنين من بدء الخليقة قد ندرك أن الشر بكل صوره هو الذي دفع الانسان للتطور ليتجنب الدمار والهلاك الذي ينتظره، وكلما تطورت أحوال البشر تطورت أساليب الهلاك والقتل.. لقد خرجت اللذة من جوف الانسان ومن قلب شرايينه الي ساحات القتل والكذب والافتراس ليعود الحب كمعنى وقيمة غريبا كما بدأ ضحية بين قابيل وهابيل.. اللذة في عصرنا لم تعد في رجفة محب أو ملائكية عاشق ولكنها تحولت الي خزائن مال وبارود وجرائم ساسة  .. لو أن الأستاذ توفيق الحكيم حيا وأراد أن يعيد كتابة « أرني الله » فقد يبريء ساحة إبليس مما نسب وينسب له من جرائم ارتكبها بالأساس قياصرة وملوك وحكام وحاخامات وباباوات وشيوخ بحق شعوب ذهبت ضحية الفقر والإفقار والجهل والتجهيل.