رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات

فى الحديث عن الشر فى هذه السطور، فإننى لا أقترب منه بمنطق البعض عن أهل الشر، ولا بمنطق إضمار الشر للآخرين، وإنما أتحدث عنه فى معناه المطلق الذى يأتى فى مقابل مفهوم الخير. سبب هذا الحديث هو أننى عايشت تجربتين إنسانيتين فى أحد السياقات المجتمعية عززا لدى تلك الفكرة الخاصة بوجوب الشر وكونه لازمة من لوازم الوجود الإنساني. فى التجربة الأولى كان هناك إنسان شرير يتمتع بكراهية كل من حوله ويكاد يتفق الجميع على الإقرار بهذا الطابع رغم اختلاف هذا الجميع فى كل شيء، إلا أن شر هذا الإنسان أو تصرفاته الشريرة المحضة لم تكن موضع خلاف أو موضع عدم التوجس والخيفة، وقد تمنى الكل على هذه الخلفية أن يرفع الله الغمة ويزيل هذا الشر بغياب هذا الإنسان من مجتمعهم.

وبعد فترة غير قصيرة بدا أن الله استجاب لهذه الجماعة فانزاح الشر من مجتمعهم والذى يمثله هذا الإنسان وبدأ الكل يتنفس الصعداء بعد أن ظلوا فى حالة من العلاقات الإنسانية غير السوية والقلق من الأضرار التى تحيق بهم جراء إمعان هذا الشرير فى إلحاق الأذى بهم، غير أنهم ما كادوا يلتفتون يمنة أو يسرة أو بتعبير آخر ما بين غمضة عين وانتباهتها حتى وجدوا أن هناك شريرا آخر تم زرعه، عن غير قصد من أحد، أى أحد، فى طريقهم دونما سابق اتفاق أو ترتيب. بدا الأمر وكأنه من مقررات القدر الذى لا راد لقضائه. ربما كان من نتائج ذلك هو تحول البعض من هؤلاء، ومنهم أنا أو على رأسهم أنا بالطبع، إلى الإيمان بأن الشر جزء من تكوين الإنسان، ربما لإدراك فائدة الخير والسعى لنشر العمل به، وأنه يجب الإيمان بوجوبه وحتميته على غرار إيمان المسلم بالقدر خيره...«وشره».

لا يعنى ذلك سوى أن الشر أمر حتمى الوجود حتى ولو فى مجتمع الملائكة، ويعزز ذلك التصور أن إبليس والذى هو فى المنظور البشرى منبع الشر، كان وفق بعض التفسيرات الدينية ملك من الملائكة الامر الذى ربما يؤكده سياق التناول القرآنى لقصة أمر إبليس بالسجود لآدم ورفضه هذا الأمر وما يتبع ذلك من تفاصيل.

لسنا فى وارد استدعاء القصص الديني، لكن من منا يستطيع أن ينكر أن إقدام «قابيل» على قتل أخيه «هابيل» يعتبر أول فعل إنسانى شرير، إن لم يكن يسبقه بالطبع رفض آدم الانصياع للأوامر الإلهية بالإمتناع عن الأكل من الشجرة فكان ما كان من عقابه بالنزول إلى الأرض. رغم أن فعل آدم لم ينل من أحد أو يلحق الأذى بأحد فى النهاية سواه ولكنه نوع من الشر الذى يستهدف تعظيم متعة الإنسان من وجوده فى الحياة, الأمر الذى يشير كذلك إلى أن الشر فى النهاية مستويات. ومن مفارقات القدر، وفيما يراه البعض بالخطأ يشير إلى نزوع ضمنى للبشر إلى الشر، أنه فيما تم تخليد اسم القاتل «قابيل» بإطلاقه على كثير من المواليد، فإن اسم «هابيل» يكاد يندثر!

ربما تكون نتيجة هذا الحديث أن الشر قرين الوجود الإنسانى فى مسيرة الحياة على الأرض، وأنه لو لم يكن كذلك، لمنعه الله، فى إطار الحقيقة الإيمانية التى تقرر بأن الله كلى القدرة يفعل ما يشاء ويمنع ما يشاء، والمجال هنا غير مناسب لإيراد عبارة أحد الفلاسفة التى راح يتناول فيها هذا الجانب بشكل ينال من الطبيعة الإلهية. وإذا حاولت تأمل البشر ممن هم حولك، فستلمس صدق هذه الرؤية، كلهم أخيار بقدر ما هم أشرار، حتى أنه يمكن القول بأن هناك نوعا من التوازن فى مستوى الطبائع الخيرة والشريرة لهم. تظهر خيريتهم فى مواقف محددة ويظهر سلوكهم المضاد الشرير فى مواقف أخرى.

صحيح أن الطابع الخير هو الغالب، غير أن ما يمنع شرهم، الكامن فى نفوسهم والذى لم يجد المتنفس الكافى للتعبير عنه، ربما يكون الخوف من القانون سواء الإلهى أم البشري. فى المقابل فإن البشر خالصى الخيرية ربما يكونون محدودين، وبالمثل أولئك الأشخاص الموغلون فى الشر. لو أنك حاولت التفتيش فى ذاكرتك وخبراتك الإنسانية فلن تعدم أن تتذكر وجود أشخاص مروا فى حياتك هم أقرب إلى الملائكة منهم إلى البشر، حتى أنك بمفهومك الإنسانى القاصر ربما تتصور أنهم جاءوا إلى الدنيا بطريق الخطأ وأن مكانهم هناك.. حيث آدم قبل أن يهبط إلى الأرض.

شخصيا صادفت مثل هؤلاء، وحاولت التقرب منهم، التماسا للسكينة وفى محاولة لفهم العجينة التى تشكلوا منها. المشكلة ليست فى أمثالهم، فقد تؤدى بك كثرة معايشتهم إلى تمنى لو أن الله خلق من أمثالهم الكثير، لتعيش مفهوم المجتمع الملائكى بحق، لكن المشكلة فى نقيضهم من الأشرار الذين ربما يكون خروجهم من بطون أمهاتهم تم وسط بحر من الشرور. مثل هذا النوع من البشر يقدس الشر، ويتعامل معه على غرار شيطان الشاعر الإنجليزى جون ميلتون صاحب الفردوس المفقود، والذى يختار التعامل مع الشر على أنه خير فيسعى إليه بكل حواسه وبكل روحه ودمه.. من هؤلاء أخاف وأشعر بالتوجس والحيرة والاضطراب وأدعو الله ليل نهار أن ينجينى من شرورهم!!

[email protected]