عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

 

المراقب لموازين القوى في المنطقة سيضع اسرائيل دون عناء على رأس قائمة القوى الاقليمية في الشرق الأوسط.. اليمين المتشدد في اسرائيل ممثلا في رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو والكتل الدينية في الكنيسيت من حقهم أن يشعروا بأنهم الجيل الذي اقترب من حلم اسرائيل الكبرى أمام حالة الهوان والتشتت والتيه التي عليها العالم العربي من المحيط للخليج.. الي هنا هذا هو المشهد القائم والمرئي للعيان ولكن هذا المشهد برمته ليس سوى زبد البحر الخادع الذي يغطي السطح أو يكاد - أما القاع فشأن آخر الكلمة فيه للتاريخ وقوانينه.. اسرائيل عام 1982 اجتاحت ولأول مرة منذ ولادتها القيصرية وبقرار دولي عام 1947 أول عاصمة عربية وهي بيروت.. وقتها شارون تعهد أن اجتياح كل لبنان وتصفية المقاومة الفلسطينية مسألة أيام قليلة.. سبق الاجتياح لقاءات مباشرة بين مناحم بيجن وزعيم الكتائب الشيخ أمين الجميل واتجه لاسرائيل بحرا الشيخ بشير الجميل (الأخ الأصغر لأمين) ونزل قاربه في حيفا ومنها اتجه الي تل أبيب والتقي بيجين لاستعجال الاجتياح.. تم حصار بيروت ولم تستطع قوات شارون أن تتجاوز حدود الحصار - بمعني آخر توقفت عند زبد البحر وعجزت عن ابتلاع القاع وتغيير خرائطه وقوانينه.. وانتهت العملية الاسرائيلية بمذبحة صبرا وشاتيلا التي شاركتها فيها القوات اللبنانية التابعة للكتائب، ثم خرج عرفات وقيادات منظمة التحرير باتفاق أمريكي وكانت الوجهة هذه المرة الى تونس.. ووسط النيران التي كانت تأكل قلب بيروت تم اغتيال الرئيس اللبناني الشيخ بشير الجميل الذي بدأ حياته قائدا لعصابات ثم زعيما لحزب ثم رئيسا للبنان.. وقتها اسرائيل استماتت لإبرام اتفاق سلام مع لبنان وفشلت وتشبثت بحلم اختراق لبنان بتركيبته السنية والشيعية والدرزية وحتى المارونية - ومن التعبيرات الدالة في ذلك الوقت ما قاله رئيس لبنان الأسبق السيد الياس سركيس من أن تطرف اسرائيل جعل الأصوليين المسلمين أكثر سلفية والمسيحيين أكثر صليبية.. تأمل فشل اسرائيل عام 1982 في ابتلاع لبنان يصل بنا الي حتمية قراءة قوانين التاريخ التي تقول إن القوة الحقيقية لأي كيان سياسي ليست في قصور الحكم وانما في قاع المجتمع الذي يمثل ناسه وقواه التربة الحقيقة للتاريخ، وهذا ما يجب علينا أن نستوعبه اليوم.. حلم اسرائيل الكبرى وإن بدا للبعض داخل اسرائيل وحتى في بعض المجتمعات العربية الرخوة - هذا هو الوهم بعينه لأن بلوغ اسرائيل هذا المنحنى من المجاهرة بفجر القوة هو بداية النهاية.. لحظة قمة القوة والاستكبار هي نفسها أوان التراجع والضعف، كما أن لحظة قمة التيه والتشتت العربي هي نفسها لحظة استعادة الوعي بالوجود وحتمية البقاء بكرامة.. على هذه الخلفية يمكن القول إن المستقبل والمصالح القومية تحتم على مصر ودول عربية فاعلة أن تعيد النظر في خصومتها المتعسفة لإيران.. اسرائيل تراهن على اختراق وابتزاز الأنظمة العربية وعلى شيطنة ايران متوهمة أن التاريخ يكتب داخل قصور الحكم.. ما يحدث في أجزاء من العالم العربي اليوم من حالة حراك شعبي وبغض النظر عن النتائج يؤكد أن التاريخ يولد ويكبر ويفرض قوانينه في الحارات والشوارع الضيقة.. نسبة الحضر للريف في العالم العربي في زيادة مطردة وهذا ما يشير مستقبلا الي أن القوى الكامنة في المجتمعات العربية آخذة في الصعود وأن ما تحلم به اسرائيل اليوم وتعتقد أنه التاريخ الجديد لاسرائيل الكبرى لن يكون سوى الفصل الأخير في تاريخ الدولة اليهودية التي ستخنقها يهوديتها التي ستموت بالسكتة التاريخية.. مشكلة اسرائيل وأمريكا أنهما كيانان عمرهما مجموعا لا يزيد على ثلاثمائة عام، وهذا ما يجعلهما لا يضعان اعتبارا لقوانين التاريخ وحتميات تحولاته.. ومن الجهل أن يعتقد بعض العرب أن الاحتماء بقشرة التاريخ يغنيهما عن صلب حقائقه والكامن في طبقاته.. ووسط زلازل التاريخ أعتقد أن مصر ستظل قادرة على الاتصال بجذورها والتي بدأت عندها قصة الدنيا.